( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون    ) 
ثم قال تعالى : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون    ) 
لما بين الإعادة والقدرة عليها بالمثل بعد الدليلين ، بين الوحدانية أيضا بالمثل بعد الدليل ، ومعناه أن يكون له مملوك لا يكون شريكا له في ماله ولا يكون له حرمة مثل حرمة سيده فكيف يجوز أن يكون عباد الله   [ ص: 104 ] شركاء له ، وكيف يجوز أن يكون لهم عظمة مثل عظمة الله تعالى حتى يعبدوا  ، وفي الآية مسائل : 
المسألة الأولى : ينبغي أن يكون بين المثل والممثل به مشابهة ما  ، ثم إن كان بينهما مخالفة فقد يكون مؤكدا لمعنى المثل ، وقد يكون موهنا له ، وهاهنا وجه المشابهة معلوم ، وأما المخالفة فموجودة أيضا وهي مؤكدة وذلك من وجوه . 
أحدها : قوله : ( من أنفسكم    ) يعني ضرب لكم مثلا من أنفسكم مع حقارتها ونقصانها وعجزها ، وقاس نفسه عليكم مع عظمها وكمالها وقدرتها . 
وثانيها : قوله : ( مما ملكت أيمانكم    ) يعني عبدكم لكم عليهم ملك اليد وهو طار[ ئ ] قابل للنقل والزوال ، أما النقل فبالبيع وغيره ، والزوال بالعتق ، ومملوك الله لا خروج له من ملك الله بوجه من الوجوه  ، فإذا لم يجز أن يكون مملوك يمينكم شريكا لكم مع أنه يجوز أن يصير مثلكم من جميع الوجوه ، بل هو في الحال مثلكم في الآدمية حتى أنكم ليس لكم تصرف في روحه وآدميته بقتل وقطع ، وليس لكم منعهم من العبادة وقضاء الحاجة ، فكيف يجوز أن يكون مملوك الله الذي هو مملوكه من جميع الوجوه شريكا له    . 
وثالثها : قوله : ( من شركاء في ما رزقناكم    ) يعني الذي لكم هو في الحقيقة ليس لكم بل هو من الله ومن رزقه ، والذي من الله فهو في الحقيقة له ، فإذا لم يجز أن يكون لكم شريك في مالكم من حيث الاسم ، فكيف يجوز أن يكون له شريك فيما له من حيث الحقيقة ، وقوله : ( فأنتم فيه سواء    ) أي هل أنتم ومماليككم في شيء مما تملكون سواء ليس كذلك فلا يكون لله شريك في شيء مما يملكه ، لكن كل شيء فهو لله فما تدعون إلهيته لا يملك شيئا أصلا ولا مثقال ذرة من خردل فلا يعبد لعظمته ولا لمنفعة تصل إليكم منه ، وأما قولكم : هؤلاء شفعاؤنا فليس كذلك ; لأن المملوك هل له عندكم حرمة كحرمة الأحرار ، وإذا لم يكن للمملوك مع مساواته إياكم في الحقيقة والصفة عندكم حرمة ، فكيف يكون حال المماليك الذين لا مساواة بينهم وبين المالك بوجه من الوجوه ، وإلى هذا أشار بقوله : ( تخافونهم كخيفتكم أنفسكم    ) . 
المسألة الثانية : بهذا نفى جميع وجوه حسن العبادة عن الغير ; لأن الأغيار إذا لم يصلحوا للشركة فليس لهم ملك ولا ملك  ، فلا عظمة لهم حتى يعبدوا لعظمتهم ولا يرتجى منهم منفعة لعدم ملكهم حتى يعبدوا لنفع ، وليس لهم قوة وقدرة ; لأنهم عبيد والعبد المملوك لا يقدر على شيء ، فلا تخافوهم كما تخافون أنفسكم ، فكيف تخافونهم خوفا أكثر من خوفكم بعضا من بعض حتى تعبدوهم للخوف . 
ثم قال تعالى : ( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون    ) أي نبينها بالدلائل والبراهين القطعية والأمثلة والمحاكيات الإقناعية لقوم يعقلون ، يعني لا يخفى الأمر بعد ذلك إلا على من لا يكون له عقل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					