[ ص: 152 ]   [ سورة ص ] 
ثمانون وثمان آيات مكية  
بسم الله الرحمن الرحيم 
( ص والقرآن ذي الذكر  بل الذين كفروا في عزة وشقاق  كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص    ) 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( ص والقرآن ذي الذكر  بل الذين كفروا في عزة وشقاق  كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : الكلام المستقصى في أمثال هذه الفواتح مذكور في أول سورة البقرة ، ولا بأس بإعادة بعض الوجوه : 
فالأول : أنه مفتاح أسماء الله تعالى التي أولها صاد ، كقولنا صادق الوعد ، صانع المصنوعات ، صمد . 
والثاني : معناه صدق محمد  في كل ما أخبر به عن الله . 
الثالث : معناه صد الكفار عن قبول هذا الدين ، كما قال تعالى : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله    ) [النساء : 167] . 
الرابع : معناه أن القرآن مركب من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها ولستم قادرين على معارضة القرآن ، فدل ذلك على أن القرآن معجز    . 
الخامس : أن يكون " صاد " بكسر الدال من المصادة وهي المعارضة ، ومنها الصدى وهو ما يعارض صوتك في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة ، ومعناه عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه . 
السادس : أنه اسم السورة ، والتقدير هذه صاد ، فإن قيل ههنا إشكالان : 
أحدهما : أن قوله : ( والقرآن ذي الذكر    ) قسم وأين المقسم عليه ؟  
والثاني : أن كلمة "بل" تقتضي رفع حكم ثبت قبلها ، وإثبات حكم بعدها يناقض الحكم السابق ، فأين هذا المعنى ههنا ؟ 
والجواب : عن الأول من وجوه : 
الأول : أن يكون معنى صاد بمعنى صدق محمد  صلى الله عليه وسلم ، فيكون صاد هو المقسم عليه ، وقوله : ( والقرآن ذي الذكر    ) هو القسم . 
الثاني : أن يكون المقسم عليه محذوفا ، والتقدير سورة ( ص والقرآن ذي الذكر    ) إنه لكلام معجز ، لأنا بينا أن قوله ( ص    ) تنبيه على التحدي . 
والثالث : أن يكون صاد اسما للسورة ، ويكون التقدير هذه ص والقرآن ذي الذكر ، ولما كان المشهور أن محمدا  عليه السلام يدعي في هذه السورة كونها معجزة ، كان قوله هذه ( ص    ) جاريا مجرى   [ ص: 153 ] قوله : هذه السورة المعجزة ، ونظيره قوله هذا حاتم والله ، أي هذا هو المشهور بالسخاء . 
والجواب عن السؤال الثاني : أن الحكم المذكور قبل كلمة ( بل    ) ، أما ما ذكره المفسر كون محمد  صادقا في تبليغ الرسالة أو كون القرآن أو هذه السورة معجزة والحكم المذكور بعد كلمة ( بل    ) ههنا هو المنازعة والمشاقة في كونه كذلك ، فحصل المطلوب ، والله أعلم . 
المسألة الثانية : قرأ الحسن    "صاد" بكسر الدال لأجل التقاء الساكنين ، وقرأ عيسى بن عمر  بنصب صاد ونون وبحذف حرف القسم وإيصال فعله ، كقولهم الله لأفعلن ، وأكثر القراء على الجزم لأن الأسماء العارية عن العوامل تذكر موقوفة الأواخر . 
المسألة الثالثة : في قوله ( ذي الذكر    ) وجهان : 
الأول : المراد ذي الشرف ، قال تعالى : ( وإنه لذكر لك ولقومك    ) [الزخرف : 44] وقال تعالى : ( لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم    ) [الأنبياء : 10] ومجاز هذا من قولهم لفلان ذكر في الناس ، كما يقولون له صيت . 
الثاني : ذي البيانين أي فيه قصص الأولين والآخرين ، وفيه بيان العلوم الأصلية والفرعية ، ومجازه من قوله : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر    ) [القمر : 40] . 
المسألة الرابعة : قالت المعتزلة    : ( والقرآن ذي الذكر    ) والذكر محدث    . بيان الأول : قوله تعالى : ( وإنه لذكر لك ولقومك    ) [الزخرف : 44] ، ( وهذا ذكر مبارك    ) [الأنبياء : 50] ، ( والقرآن ذي الذكر    ) [ص : 1] ( إن هو إلا ذكر وقرآن مبين    ) [يس : 69] . 
وبيان الثاني : قوله : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث    ) [الأنبياء : 2] وقوله ( وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث    ) [الشعراء : 5] . 
والجواب : أنا نصرف دليلكم إلى الحروف والأصوات وهي محدثة . 
أما قوله : ( بل الذين كفروا    ) فالمراد منه الكفار من رؤساء قريش  الذين يجوز على مثلهم الإجماع على الحسد والكبر عن الانقياد إلى الحق ، والعزة ههنا التعظيم وما يعتقده الإنسان في نفسه من الأحوال التي تمنعه من متابعة الغير لقوله تعالى : ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم    ) [البقرة : 206] والشقاق هو إظهار المخالفة على جهة المساواة للمخالف ، أو على جهة الفضيلة عليه ، وهو مأخوذ من الشق ، كأنه يرتفع عن أن يلزمه الانقياد له ، بل يجعل نفسه في شق وخصمه في شق ، فيريد أن يكون في شقة نفسه ، ولا يجرى عليه حكم خصمه ، ومثله المعاداة وهو أن يكون أحدهما في عدوة والآخر في عدوة ، وهي جانب الوادي ، وكذلك المحادة أن يكون هذا في حد غير حد الآخر ، ويقال انحرف فلان عن فلان ، وجانب فلان فلانا أي صار منه على حرف ، وفي جانب غير جانبه والله أعلم . ثم إنه تعالى لما وصفهم بالعزة والشقاق خوفهم فقال : ( كم أهلكنا من قبلهم من قرن    ) والمعنى أنهم نادوا عند نزول العذاب في الدنيا ولم يذكر بأي شيء نادوا ، وفيه وجوه : 
الأول : وهو الأظهر أنهم نادوا بالاستغاثة لأن نداء من نزل به العذاب ليس إلا بالاستغاثة . 
الثاني : نادوا بالإيمان والتوبة عند معاينة العذاب . 
الثالث : نادوا أي رفعوا أصواتهم ، يقال فلان أندى صوتا من فلان أي أرفع صوتا ، ثم قال : ( ولات حين مناص    ) يعني ولم يكن ذلك الوقت وقت فرار من العذاب وهو كقوله : ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا    ) [غافر : 84] وقال : ( حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون    ) [المؤمنون : 64] والجؤار رفع الصوت بالتضرع والاستغاثة ، وكقوله : ( آلآن وقد عصيت قبل    ) [يونس : 91] وقوله : ( فلم يك    )   [ ص: 154 ]   ( ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا    ) [غافر : 85] بقي ههنا أبحاث : 
البحث الأول : في تحقيق الكلام في لفظ ( ولات    )  زعم الخليل   وسيبويه  أن "لات" هي لا المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب وثم للتأكيد ، وبسبب هذه الزيادة حدثت لها أحكام جديدة ، منها أنها لا تدخل إلا على الأحيان ، ومنها أن لا يبرز إلا أحد جزأيها ، إما الاسم وإما الخبر ، ويمتنع بروزهما جميعا ، وقال الأخفش    : إنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء ، وخصت بنفي الأحيان و( حين مناص    ) منصوب بها كأنك قلت : ولات حين مناص لهم ، ويرتفع بالابتداء أي ولات حين مناص كائن لهم . 
البحث الثاني : الجمهور يقفون على التاء من قوله : ( ولات    ) والكسائي يقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة ، قال صاحب "الكشاف" : وأما قول أبي عبيدة : التاء داخلة على الحين فلا وجه له ، واستشهاده بأن التاء ملتزقة بحين في مصحف عثمان فضعيف ، فكم وقعت في المصحف أشياء خارجة عن قياس الخط . 
البحث الثالث : المناص المنجا والغوث ، يقال ناصه ينوصه إذا أغاثه ، واستناص طلب المناص ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					