[ ص: 217 ]   ( سورة المجادلة ) 
وهي عشرون وآيتان ، مدنية 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير    ) 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير    ) 
روي أن خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت  رآها زوجها وهي تصلي ، وكانت حسنة الجسم ، وكان بالرجل لمم ، فلما سلمت راودها ، فأبت ، فغضب ، وكان به خفة فظاهر منها ، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وقالت : إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب في ، فلما خلا سني وكثر ولدي جعلني كأمه ، وإن لي صبية صغارا ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلي جاعوا . ثم ههنا روايتان : يروى أنه عليه السلام قال لها : " ما عندي في أمرك شيء " وروي أنه عليه السلام قال لها : " حرمت عليه " فقالت : يا رسول الله ما ذكر طلاقا ، وإنما هو أبو ولدي وأحب الناس إلي ، فقال : " حرمت عليه " فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووجدي ، وكلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حرمت عليه " هتفت وشكت إلى الله ، فبينما هي كذلك إذ تربد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، ثم إنه عليه الصلاة والسلام أرسل إلى زوجها وقال : " ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : الشيطان ، فهل من رخصة ؟ فقال : نعم ، وقرأ عليه الأربع آيات ، وقال له : هل تستطيع العتق ؟ فقال : لا والله ، فقال : هل تستطيع الصوم ؟ فقال : لا والله ، لولا أني آكل في اليوم مرة أو مرتين لكل بصري ، ولظننت أني أموت ، فقال له : هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ فقال : لا والله يا رسول الله إلا أن تعينني منك بصدقة ، فأعانه بخمسة عشر صاعا ، وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين مسكينا " واعلم أن في هذا الخبر مباحث : 
الأول : قال  أبو سليمان الخطابي    : ليس المراد من قوله في هذا الخبر : "وكان به لمم" الخبل والجنون ؛ إذ لو كان به ذلك ثم ظاهر في تلك الحالة لم يكن يلزمه شيء ، بل معنى اللمم هنا : الإلمام بالنساء ، وشدة   [ ص: 218 ] الحرص ، والتوقان إليهن . 
البحث الثاني : أن الظهار كان من أشد طلاق الجاهلية  ؛ لأنه في التحريم أوكد ما يمكن ، وإن كان ذلك الحكم صار مقررا بالشرع كانت الآية ناسخة له ، وإلا لم يعد نسخا ؛ لأن النسخ إنما يدخل في الشرائع لا في عادة الجاهلية ، لكن الذي روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لها : " حرمت " أو قال : " ما أراك إلا قد حرمت " كالدلالة على أنه كان شرعا . وأما ما روي أنه توقف في الحكم فلا يدل على ذلك . 
البحث الثالث : أن هذه الواقعة تدل على أن من انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له في مهمه أحد سوى الخالق  ، كفاه الله ذلك المهم . 
ولنرجع إلى التفسير ، أما قوله : ( قد سمع الله    ) ففيه مسألتان : 
المسألة الأولى : قوله : ( قد    ) معناه التوقع ؛ لأن رسول الله والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله مجادلتها وشكواها ، وينزل في ذلك ما يفرج عنها . 
المسألة الثانية : كان حمزة  يدغم الدال في السين من : ( قد سمع    ) وكذلك في نظائره . واعلم أن الله تعالى حكى عن هذه المرأة أمرين : 
أولهما : المجادلة ، وهي قوله : ( تجادلك في زوجها    ) أي تجادلك في شأن زوجها ، وتلك المجادلة أنه عليه الصلاة والسلام كلما قال لها : " حرمت عليه " قالت : والله ما ذكر طلاقا . 
وثانيهما : شكواها إلى الله ، وهو قولها : أشكو إلى الله فاقتي ووجدي ، وقولها : إن لي صبية صغارا . ثم قال سبحانه : ( والله يسمع تحاوركما    ) والمحاورة المراجعة في الكلام ، من حار الشيء يحور حورا ، أي رجع يرجع رجوعا ، ومنها : نعوذ بالله من الحور بعد الكور ، ومنه : فما أحار بكلمة ، أي فما أجاب ، ثم قال : ( إن الله سميع بصير    ) أي يسمع كلام من يناديه ، ويبصر من يتضرع إليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					