( إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا  فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا    ) 
واعلم أنه تعالى لما خوف المكذبين ( أولي النعمة    ) بأهوال القيامة خوفهم بعد ذلك بأهوال الدنيا  فقال تعالى : ( إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا  فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا    ) واعلم أن الخطاب لأهل مكة  ، والمقصود تهديدهم بالأخذ الوبيل ، وههنا سؤالات : 
السؤال الأول : لم نكر الرسول ثم عرف ؟ الجواب : التقدير : أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصاه فأخذناه أخذا وبيلا ، فأرسلنا إليكم أيضا رسولا فعصيتم ذلك الرسول ، فلا بد وأن نأخذكم أخذا وبيلا . 
السؤال الثاني : هل يمكن التمسك بهذه الآية في إثبات أن القياس حجة  ؟ والجواب : نعم ؛ لأن الكلام إنما ينتظم لو قسنا إحدى الصورتين على الأخرى ، فإن قيل : هب أن القياس في هذه الصورة حجة ، فلم قلتم : إنه في سائر الصور حجة ، وحينئذ يحتاج إلى قياس سائر القياسات على هذا القياس ، فيكون ذلك إثباتا للقياس بالقياس ، وإنه غير جائز ؟ قلنا : لا نثبت سائر القياسات بالقياس على هذه الصورة ، وإلا لزم المحذور الذي ذكرتم ، بل وجه التمسك هو أن نقول : لولا أنه تمهد عندهم أن الشيئين اللذين يشتركان في مناط الحكم ظنا يجب اشتراكهما في الحكم ، وإلا لما أورد هذا الكلام في هذه الصورة ، وذلك لأن احتمال الفرق المرجوح قائم ههنا ، فإن لقائل أن يقول : لعلهم إنما استوجبوا الأخذ الوبيل بخصوصية حالة العصيان في تلك الصورة ، وتلك الخصوصية غير موجودة ههنا ، فلا يلزم حصول الأخذ الوبيل ههنا ، ثم إنه تعالى مع قيام هذا الاحتمال جزم بالتسوية في الحكم فهذا الجزم لا بد وأن يقال : إنه كان مسبوقا بتقرير أنه متى وقع الاشتراك في المناط الظاهر وجب الجزم بالاشتراك في الحكم ، وإن مجرد احتمال الفرق بالأشياء التي لا يعلم كونها مناسبة للحكم لا يكون قادحا في تلك التسوية ، فلا معنى لقولنا : القياس حجة - إلا هذا . 
السؤال الثالث : لم ذكر في هذا الموضع قصة موسى  وفرعون  على التعيين دون سائر الرسل والأمم ؟ الجواب : لأن أهل مكة  ازدروا محمدا  عليه الصلاة والسلام ، واستخفوا به لأنه ولد فيهم ، كما أن فرعون  ازدرى موسى  لأنه رباه وولد فيما بينهم ، وهو قوله : ( ألم نربك فينا وليدا    ) [ الشعراء : 18] . 
السؤال الرابع : ما معنى كون الرسول شاهدا عليهم  ؟ الجواب من وجهين : 
الأول : أنه شاهد عليهم يوم القيامة بكفرهم وتكذيبهم . 
الثاني : المراد كونه مبينا للحق في الدنيا ، ومبينا لبطلان ما هم عليه من   [ ص: 162 ] الكفر ؛ لأن الشاهد بشهادته يبين الحق ، ولذلك وصفت بأنها بينة ، فلا يمتنع أن يوصف عليه الصلاة والسلام بذلك من حيث إنه بين الحق ، وهذا بعيد لأن الله تعالى قال : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا    ) [ البقرة : 143] أي عدولا خيارا ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا    ) فبين أنه يكون شاهدا عليهم في المستقبل ، ولأن حمله على الشهادة في الآخرة حقيقة ، وحمله على البيان مجاز ، والحقيقة أولى . 
السؤال الخامس : ما معنى الوبيل ؟ الجواب : فيه وجهان : 
الأول : الوبيل : الثقيل الغليظ ، ومنه قولهم : صار هذا وبالا عليهم ، أي أفضى به إلى غاية المكروه ، ومن هذا قيل للمطر العظيم : وابل ، والوبيل : العصا الضخمة . 
الثاني : قال أبو زيد : الوبيل الذي لا يستمرأ ، وماء وبيل وخيم إذا كان غير مريء ، وكلأ مستوبل ، إذا أدت عاقبته إلى مكروه ، إذا عرفت هذا فنقول : قوله ( فأخذناه أخذا وبيلا    ) يعني الغرق ، قاله الكلبي ومقاتل وقتادة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					