( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث  وتكون الجبال كالعهن المنفوش    ) . 
ثم قال تعالى : ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث  وتكون الجبال كالعهن المنفوش    ) 
قال صاحب الكشاف : الظرف نصب بمضمر دلت عليه القارعة ، أي تقرع يوم يكون الناس كذا . 
واعلم أنه تعالى وصف ذلك اليوم بأمرين : 
الأول : كون الناس فيه : ( كالفراش المبثوث    ) قال الزجاج    : الفراش هو الحيوان الذي يتهافت في النار ، وسمي فراشا لتفرشه وانتشاره ، ثم إنه تعالى شبه الخلق وقت البعث ههنا بالفراش المبثوث ، وفي آية أخرى بالجراد المنتشر . أما وجه التشبيه بالفراش ، فلأن الفراش [ ص: 69 ] إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة ، بل كل واحدة منها تذهب إلى غير جهة الأخرى ، يدل هذا على أنهم إذا بعثوا فزعوا ، واختلفوا في المقاصد على جهات مختلفة غير معلومة ، والمبثوث المفرق ، يقال : بثه إذا فرقه . وأما وجه التشبيه بالجراد فهو في الكثرة . قال الفراء    : كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا ، وبالجملة فالله سبحانه وتعالى شبه الناس في وقت البعث  بالجراد المنتشر ، وبالفراش المبثوث ، لأنهم لما بعثوا يموج بعضهم في بعض كالجراد والفراش ، ويؤكد ما ذكرنا بقوله تعالى : ( فتأتون أفواجا    ) [ النبأ : 18 ] وقوله : ( يوم يقوم الناس لرب العالمين    ) [ المطففين : 6 ] وقوله في قصة يأجوج ومأجوج    : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض    ) [ الكهف : 99 ] فإن قيل : الجراد بالنسبة إلى الفراش كبار ، فكيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معا ؟ قلنا : شبه الواحد بالصغير والكبير لكن في وصفين . أما التشبيه بالفراش فبذهاب كل واحدة إلى غير جهة الأخرى . وأما بالجراد فبالكثرة والتتابع ، ويحتمل أن يقال : إنها تكون كبارا أولا كالجراد ، ثم تصير صغارا كالفراش بسبب احتراقهم بحر الشمس ، وذكروا في التشبيه بالفراش وجوها أخرى : 
أحدها : ما روي أنه - عليه السلام - قال : الناس عالم ومتعلم ، وسائر الناس همج رعاع فجعلهم الله في الآخرة كذلك : ( جزاء وفاقا    ) [ النبأ : 26] 
وثانيها : أنه تعالى إنما أدخل حرف التشبيه ، فقال : ( كالفراش    ) لأنهم يكونون في ذلك اليوم أذل من الفراش ، لأن الفراش لا يعذب ، وهؤلاء يعذبون ، ونظيره : ( كالأنعام بل هم أضل    ) . [ الأعراف : 179 ] 
الصفة الثانية : من صفات ذلك اليوم قوله تعالى : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش    ) العهن الصوف ذو الألوان ، وقد مر تحقيقه عند قوله : ( وتكون الجبال كالعهن    ) والنفش فك الصوف حتى ينتفش بعضه عن بعض ، وفي قراءة ابن مسعود    : " كالصوف المنفوش" . 
واعلم أن الله تعالى أخبر أن الجبال مختلفة الألوان  على ما قال : ( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود    ) [ فاطر : 27 ] ثم إنه سبحانه يفرق أجزاءها ويزيل التأليف والتركيب عنها فيصير ذلك مشابها للصوف الملون بالألوان المختلفة إذا جعل منفوشا ، وههنا مسائل : 
المسألة الأولى : إنما ضم بين حال الناس وبين حال الجبال ، كأنه تعالى نبه على أن تأثير تلك القرعة في الجبال هو أنها صارت كالعهن المنفوش ، فكيف يكون حال الإنسان عند سماعها فالويل ثم الويل لابن آدم إن لم تتداركه رحمة ربه ، ويحتمل أن يكون المراد أن جبال النار تصير كالعهن المنفوش لشدة حمرتها . 
المسألة الثانية : قد وصف الله تعالى تغير الأحوال على الجبال من وجوه : 
أولها : أن تصير قطعا ، كما قال : ( دكت الأرض دكا دكا    ) [ الفجر : 21 ] . 
وثانيها : أن تصير كثيبا مهيلا ، كما قال : ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب    ) [ النمل : 88 ] ثم تصير كالعهن المنفوش ، وهي أجزاء كالذر تدخل من كوة البيت لا تمسها الأيدي ، ثم قال في الرابع : تصير سرابا ، كما قال : ( وسيرت الجبال فكانت سرابا    ) [ النبأ : 20] . 
المسألة الثالثة : لم يقل : يوم يكون الناس كالفراش المبثوث والجبال كالعهن المنفوش بل قال : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش    ) لأن التكرير في مثل هذا المقام أبلغ في التحذير . 
 [ ص: 70 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					