( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر    ) 
قوله تعالى : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات    ) . 
اعلم أن الإيمان والأعمال الصالحة قد تقدم تفسيرهما مرارا ، ثم ههنا مسائل : 
المسألة الأولى : احتج من قال : العمل غير داخل في مسمى الإيمان ، بأن الله تعالى عطف عمل الصالحات على الإيمان ، ولو كان عمل الصالحات داخلا في مسمى الإيمان لكان ذلك تكريرا ولا يمكن أن يقال : هذا التكرير واقع في القرآن ، كقوله تعالى : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح    ) [ الأحزاب : 7 ] وقوله : ( وملائكته ورسله وجبريل وميكال    ) [ البقرة : 98 ] لأنا نقول هناك : إنما حسن ، لأن إعادته تدل على كونه أشرف أنواع ذلك الكلي ، وعمل الصالحات ليس أشرف أنواع الأمور المسماة بالإيمان ، فبطل هذا التأويل . قال الحليمي    : هذا التكرير واقع لا محالة ، لأن الإيمان وإن لم يشتمل على عمل الصالحات ، لكن قوله : ( وعملوا الصالحات    ) يشتمل على الإيمان ، فيكون قوله : ( وعملوا الصالحات    ) مغنيا عن ذكر قوله : ( الذين آمنوا ) وأيضا فقوله : ( وعملوا الصالحات    ) يشتمل على قوله : ( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر    ) فوجب أن يكون ذلك تكرارا ، أجاب الأولون وقالوا : إنا لا نمنع ورود التكرير لأجل التأكيد ، لكن الأصل عدمه ، وهذا القدر يكفي في الاستدلال . 
المسألة الثانية : احتج القاطعون بوعيد الفساق بهذه الآية ، قالوا : الآية دلت على أن الإنسان في الخسارة مطلقا ، ثم استثنى : ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات    ) والمعلق على الشرطين مفقود عند فقد أحدهما ، فعلمنا أن من لم يحصل له الإيمان والأعمال الصالحة لا بد وأن يكون في الخسار في الدنيا وفي الآخرة  ، ولما كان المستجمع لهاتين الخصلتين في غاية القلة ، وكان الخسار لازما لمن لم يكن مستجمعا لهما كان الناجي أقل من الهالك ، ثم لو كان الناجي أكثر كان الخوف عظيما حتى لا تكون أنت من القليل ، كيف والناجي أقل ؟ أفلا ينبغي أن يكون الخوف أشد ! 
المسألة الثالثة : أن هذا الاستثناء فيه أمور ثلاثة : 
أحدها : أنه تسلية للمؤمن من فوت عمره وشبابه ، لأن العمل قد أوصله إلى خير من عمره وشبابه . 
وثانيها : أنه تنبيه على أن كل ما دعاك إلى طاعة الله فهو الصلاح ، وكل ما شغلك عن الله بغيره فهو الفساد    . 
وثالثها : قالت المعتزلة    : تسمية الأعمال بالصالحات تنبيه على أن وجه حسنها ليس هو الأمر على ما يقوله الأشعرية  ، لكن الأمر إنما ورد لكونها في أنفسها مشتملة على وجوه الصلاح ، وأجابت الأشعرية  بأن الله تعالى وصفها بكونها صالحة ، ولم يبين أنها صالحة بسبب وجوه عائدة إليها أو بسبب الأمر . 
المسألة الرابعة : لسائل أن يسأل فيقول : إنه في جانب الخسر ذكر الحكم ولم يذكر السبب وفي جانب   [ ص: 85 ] الربح ذكر السبب ، وهو الإيمان والعمل الصالح ، ولم يذكر الحكم فما الفرق ؟ قلنا : إنه لم يذكر سبب الخسر لأن الخسر كما يحصل بالفعل ، وهو الإقدام على المعصية يحصل بالترك ، وهو عدم الإقدام على الطاعة ، أما الربح فلا يحصل إلا بالفعل ، فلهذا ذكر سبب الربح وهو العمل ، وفيه وجه آخر ، وهو أنه تعالى في جانب الخسر أبهم ولم يفصل ، وفي جانب الربح فصل وبين ، وهذا هو اللائق بالكرم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					