( فجعلهم كعصف مأكول    ) 
أما قوله تعالى : ( فجعلهم كعصف مأكول    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : ذكروا في تفسير العصف وجوها ذكرناها في قوله : ( والحب ذو العصف    ) [ الرحمن : 12 ] وذكروا ههنا وجوها : 
أحدها : أنه ورق الزرع الذي يبقى في الأرض بعد الحصاد وتعصفه الرياح فتأكله المواشي . 
وثانيها : قال أبو مسلم    : العصف التبن لقوله : ( ذو العصف والريحان    ) [ الرحمن : 12 ] لأنه تعصف به الريح عند الذر فتفرقه عن الحب ، وهو إذا كان مأكولا فقد بطل ولا رجعة له ولا منعة فيه . 
وثالثها : قال الفراء    : هو أطراف الزرع قبل أن يدرك السنبل . 
ورابعها : هو الحب الذي أكل لبه وبقي قشره . 
المسألة الثانية : ذكروا في تفسير المأكول وجوها : 
أحدها : أنه الذي أكل ، وعلى هذا الوجه ففيه احتمالان : 
أحدهما : أن يكون المعنى كزرع وتبن قد أكلته الدواب ، ثم ألقته روثا ، ثم يجف وتتفرق أجزاؤه ، شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث ، إلا أن العبارة عنه جاءت على ما عليه آداب القرآن ، كقوله : ( كانا يأكلان الطعام    ) [ المائدة : 75 ] وهو قول مقاتل  ، وقتادة  وعطاء  عن  ابن عباس    . 
والاحتمال الثاني : على هذا الوجه أن يكون التشبيه واقعا بورق الزرع إذا وقع فيه الأكال ، وهو أن يأكله الدود . 
الوجه الثاني : في تفسير قوله : ( مأكول ) هو أنه جعلهم كزرع قد أكل حبه وبقي تبنه ، وعلى هذا التقدير يكون المعنى : كعصف مأكول الحب كما يقال : فلان حسن أي حسن الوجه ، فأجرى مأكول على العصف من أجل أنه أكل حبه لأن هذا المعنى معلوم وهذا قول الحسن    . 
الوجه الثالث في التفسير أن يكون معنى : ( مأكول ) أنه مما يؤكل ، يعني تأكله الدواب يقال : لكل شيء يصلح للأكل هو مأكول ، والمعنى جعلهم كتبن تأكله الدواب ، وهو قول عكرمة  والضحاك    . 
المسألة الثالثة : قال بعضهم : إن الحجاج  خرب الكعبة  ، ولم يحدث شيء من ذلك ، فدل على أن قصة الفيل ما كانت على هذا الوجه وإن كانت هكذا إلا أن السبب لتلك الواقعة أمر آخر سوى تعظيم الكعبة  ، والجواب : أنا بينا أن ذلك وقع إرهاصا لأمر محمد  صلى الله عليه وسلم ، والإرهاص إنما يحتاج إليه قبل قدومه  ، أما بعد قدومه وتأكد نبوته بالدلائل القاطعة فلا حاجة إلى شيء من ذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ، وصلى الله على سيدنا محمد  وعلى آله وصحبه وسلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					