أما قوله تعالى : ( للطائفين والعاكفين والركع السجود    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : العكف مصدر عكف بضم الكاف وكسرها عكفا إذا لزم الشيء وأقام عليه فهو عاكف ، وقيل : إذا أقبل عليه لا يصرف عنه وجهه . 
المسألة الثانية : في هذه الأوصاف الثلاثة قولان : 
الأول : وهو الأقرب أن يحمل ذلك على فرق ثلاثة ، لأن من حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه ، فيجب أن يكون الطائفون غير العاكفين والعاكفون غير الركع السجود لتصح فائدة العطف ، فالمراد بالطائفين : من يقصد البيت حاجا أو معتمرا فيطوف به ، والمراد بالعاكفين : من يقيم هناك ويجاور ، والمراد بالركع السجود : من يصلي هناك . 
والقول الثاني : وهو قول عطاء    : أنه إذا كان طائفا فهو من الطائفين ، وإذا كان جالسا فهو من العاكفين ، وإذا كان مصليا فهو من الركع السجود . 
المسألة الثالثة : هذه الآية ، تدل على أمور : 
أحدها : أنا إذا فسرنا الطائفين بالغرباء فحينئذ تدل الآية على أن الطواف للغرباء أفضل من الصلاة  ، لأنه تعالى كما خصهم بالطواف دل على أن لهم به مزيد اختصاص . وروي عن  ابن عباس   ومجاهد  وعطاء    : أن الطواف لأهل الأمصار أفضل ، والصلاة لأهل مكة  أفضل . 
وثانيها : تدل الآية على جواز الاعتكاف في البيت    . 
وثالثها : تدل على جواز الصلاة في البيت فرضا كانت أو نفلا  إذ لم تفرق الآية بين شيئين منها ، وهو خلاف قول مالك  في امتناعه من جواز فعل الصلاة المفروضة في البيت ، فإن قيل : لا نسلم دلالة الآية على ذلك ، لأنه تعالى لم يقل : والركع السجود في البيت ، وكما لا تدل الآية على جواز فعل الطواف في جوف البيت  ، وإنما دلت على فعله خارج البيت ، كذلك دلالته مقصورة على جواز فعل الصلاة إلى البيت متوجها إليه  ، قلنا : ظاهر الآية يتناول الركوع والسجود إلى البيت ، سواء كان ذلك في البيت أو خارجا عنه ، وإنما أوجبنا وقوع الطواف خارج البيت لأن الطواف بالبيت هو أن يطوف بالبيت ، ولا يسمى طائفا بالبيت من طاف في جوفه ، والله تعالى إنما أمر بالطواف به لا بالطواف فيه ، لقوله تعالى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق    ) [الحج : 29] وأيضا المراد لو كان التوجه إليه للصلاة ، لما كان للأمر بتطهير البيت للركع السجود وجه ، إذا كان حاضرو البيت والغائبون عنه سواء في الأمر بالتوجه إليه ، واحتج مالك   [ ص: 49 ] بقوله تعالى : ( فول وجهك شطر المسجد الحرام    ) [البقرة : 144] ومن كان داخل المسجد الحرام  لم يكن متوجها إلى المسجد بل إلى جزء من أجزائه . 
( والجواب ) : أن المتوجه الواحد يستحيل أن يكون متوجها إلى كل المسجد ، بل لا بد وأن يكون متوجها إلى جزء من أجزائه ومن كان داخل البيت فهو كذلك فوجب أن يكون داخلا تحت الآية . 
ورابعها : أن قوله : ( للطائفين    ) يتناول مطلق الطواف سواء كان منصوصا عليه في كتاب الله تعالى ، كقوله تعالى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق    ) [الحج : 29] أو ثبت حكمه بالسنة ، أو كان من المندوبات . 
				
						
						
