[ ص: 152 ] وأما قوله تعالى : ( خالدين فيها    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : الخلود : اللزوم الطويل  ، ومنه يقال : أخلد إلى كذا أي لزمه وركن إليه . 
المسألة الثانية : العامل في ( خالدين ) الظرف من قوله ( عليهم ) لأن فيه معنى الاستقرار للعنة فهو حال من الهاء والميم في " عليهم " كقولك : عليهم المال صاغرين . 
المسألة الثالثة : ( خالدين فيها    ) أي : في اللعنة ، وقيل في النار إلا أنها أضمرت تفخيما لشأنها وتهويلا كما في قوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر    ) [ القدر : 1 ] والأول أولى لوجوه : 
الأول : أن الضمير إذا وجد له مذكور متقدم فرده إليه أولى من رده إلى ما لم يذكر . 
الثاني : أن حمل هذا الضمير على اللعنة أكثر فائدة من حمله على النار ؛ لأن اللعن هو الإبعاد من الثواب بفعل العقاب في الآخرة وإيجاده في الدنيا ، فكان اللعن يدخل فيه النار وزيادة ، فكان حمل اللفظ عليه أولى . 
الثالث : أن قوله : ( خالدين فيها    ) إخبار عن الحال ، وفي حمل الضمير على اللعن يكون ذلك حاصلا في الحال ، وفي حمله على النار لا يكون حاصلا في الحال ، بل لا بد من التأويل ؛ فكان ذلك أولى ، واعلم أنه تعالى وصف هذا العذاب بأمور ثلاثة . 
أحدها : الخلود وهو المكث الطويل عندنا ، والمكث الدائم عند المعتزلة  ، على ما تقدم القول فيه في تفسير قوله تعالى : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون    ) [ البقرة : 81 ] . 
وثانيها : عدم التخفيف ، ومعناه أن الذي ينالهم من عذاب الله فهو متشابه في الأوقات كلها ، لا يصير بعض الأوقات أقل من بعض ، فإن قيل : هذا التشابه ممتنع لوجوه : 
الأول : أنه إذا تصور حال غيره في شدة كالعقاب ، كان ذلك كالتخفيف منه . 
الثاني : أنه تعالى يوفر عليهم ما فات وقته من العذاب ثم تنقطع تلك الزيادة فيكون ذلك تخفيفا . 
الثالث : أنهم حيثما يخاطبون بقوله : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون    ) لا شك أنه يزداد غمهم في ذلك الوقت . أجابوا عنه : بأن التفاوت في هذه الأمور القليلة ، فالمستغرق بالعذاب الشديد لا ينتبه لهذا القدر القليل من التفاوت ؛ قالوا : ولما دلت الآية على أن هذا العقاب متشابه ، وجب أن يكون دائما ؛ لأنهم لو جوزوا انقطاع ذلك مما يخفف عنهم إذا تصوروه ، وبيان ذلك أن الواقع في محنة عظيمة في الدنيا إذا بشر بالخلاص بعد أيام فإنه يفرح ويسر ويسهل عليه موقع محنته وكلما كانت محنته أعظم ، كان ما يلحقه من الروح والتخفيف بتصور الانقطاع أكثر . 
الصفة الثالثة : من صفات ذلك العقاب : قوله : ( ولا هم ينظرون    ) والإنظار هو التأجيل والتأخير ، قال تعالى : ( فنظرة إلى ميسرة    ) [ البقرة : 280 ] والمعنى : أن عذابهم لا يؤجل ، بل يكون حاضرا متصلا بعذاب مثله ، فكأنه تعالى أعلمنا أن حكم دار العذاب والثواب بخلاف حكم الدنيا ، فإنهم يمهلون فيها إلى آجال قدرها الله تعالى ، وفي الآخرة لا مهلة البتة ، فإذا استمهلوا لا يمهلون ، وإذا استغاثوا لا يغاثون وإذا استعتبوا لا يعتبون ، وقيل لهم ؛ ( اخسئوا فيها ولا تكلمون    ) [ المؤمنون : 108 ] نعوذ بالله من ذلك ، والحاصل أن هذه الصفات الثلاثة التي ذكرها الله تعالى للعقاب في هذه الآية دلت على يأس الكافر من الانقطاع والتخفيف والتأخير . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					