الباب الثاني 
في المباحث العقلية المستنبطة من قولنا : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) 
اعلم أن الكلام في هذا الباب يتعلق بأركان خمسة : الاستعاذة ، والمستعيذ ، والمستعاذ به ، والمستعاذ منه ، والشيء الذي لأجله تحصل الاستعاذة . 
الركن الأول : 
في الاستعاذة وفيه مسائل : - 
المسألة الأولى : 
في تفسير قولنا : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم  بحسب اللغة فنقول : قوله ( أعوذ ) مشتق من العوذ وله معنيان : 
أحدهما : الالتجاء والاستجارة . 
والثاني : الالتصاق يقال : " أطيب اللحم عوذه " وهو ما التصق منه بالعظم ، فعلى الوجه الأول معنى قوله : أعوذ بالله ، أي : ألتجئ إلى رحمة الله تعالى وعصمته ، وعلى الوجه الثاني معناه ألتصق نفسي بفضل الله وبرحمته . 
وأما الشيطان ففيه قولان : 
الأول أنه مشتق من الشطن ، وهو البعد ، يقال : شطن دارك أي بعد ، فلا جرم سمي كل متمرد من جن وإنس ودابة شيطانا لبعده من الرشاد والسداد ، قال الله تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن    ) [ الأنعام : 112 ] فجعل من الإنس شياطين ، وركب عمر برذونا فطفق يتبختر به فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه وقال : ما حملتموني إلا على شيطان . 
والقول الثاني : إن الشيطان مأخوذ من قوله : شاط يشيط إذا بطل ، ولما كان كل متمرد كالباطل في نفسه بسبب كونه مبطلا لوجوه مصالح نفسه سمي شيطانا . 
وأما الرجيم فمعناه المرجوم ، فهو فعيل بمعنى مفعول . كقولهم : كف خضيب ، أي : مخضوب . ورجل لعين ، أي : ملعون . ثم في كونه مرجوما وجهان : 
الأول : أن كونه مرجوما كونه ملعونا من قبل الله تعالى ، قال الله تعالى : ( فاخرج منها فإنك رجيم    ) [ الحجر : 34 ] واللعن يسمى رجما ، وحكى الله تعالى عن والد إبراهيم  عليه السلام أنه قال له : ( لئن لم تنته لأرجمنك    ) [ مريم : 46 ] قيل : عنى به الرجم بالقول ، وحكى الله تعالى عن قوم نوح  أنهم قالوا : ( لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين    ) [ الشعراء : 116 ] وفي سورة يس : ( لئن لم تنتهوا لنرجمنكم    ) [ يس : 18 ] . 
والوجه الثاني أن الشيطان إنما وصف بكونه مرجوما : لأنه تعالى أمر الملائكة برمي الشياطين بالشهب والثواقب طردا لهم من السماوات ، ثم وصف بذلك كل شرير متمرد . 
 [ ص: 62 ] وأما قوله : ( إنه هو السميع العليم    ) [ الأنفال : 61 ] ففيه وجهان : 
الأول : أن الغرض من الاستعاذة  الاحتراز من شر الوسوسة ، ومعلوم أن الوسوسة كأنها حروف خفية في قلب الإنسان ، ولا يطلع عليها أحد فكأن العبد يقول : يا من هو على هذه الصفة التي يسمع بها كل مسموع ويعلم كل سر خفي : أنت تسمع وسوسة الشيطان وتعلم غرضه فيها ، وأنت القادر على دفعها عني ، فادفعها عني بفضلك ، فلهذا السبب كان ذكر السميع العليم أولى بهذا الموضع من سائر الأذكار . 
الثاني : أنه إنما تعين هذا الذكر بهذا الموضع اقتداء بلفظ القرآن ، وهو قوله تعالى : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم    ) [ : 200 ] وقال في حم السجدة : ( إنه هو السميع العليم    ) [ فصلت : 36 ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					