فصل 
ولا فرق في ذلك بين الحمام وغيره ، فلا يحل دخولها إلا بشرط أن يستر عورته عن أعين الناس ويغض نظره عن عوراتهم ، ولا يمس عورة أحد ، ولا يدع أحدا يمس عورته من قيم ولا غيره ؛ لأن كشف العورة والنظر إليها ومسها حرام ، ثم إن من " عدم " النظر إلى عورة غيره بأن يكون كل من في الحمام مؤتزرا أو لا يكون فيه غيره فلا بأس بدخوله ، وإن خشي النظر إلى عوراتهم كره له ذلك ، قال الإمام أحمد    : " إن علمت أن كل من في الحمام عليه إزار فادخله وإلا فلا تدخل " وقال أيضا : " ادخل إذا استترت ، واستتر منك ، ولا أظنك تسلم إلا أن تدخل بالليل أو وقتا لا يكون في الحمام أحد " . 
قال القاضي : " إن كان لا يسلم من ذلك لم يجز له الدخول " يعني إذا غلب على ظنه رؤية العورات ، هذا إذا قام بفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها ، مثل تغيير ما يكون فيها من التماثيل المحرمة وأمر المتعرين   [ ص: 405 ] بالتستر ، ونهي القيم عن مس عورات الناس عند تدليكهم ، فإن لم يقدر أن يغير المنكر بلسانه ولا بيده ، فلا يدخلها إلا لحاجة كما لو لم يقدر أن يتحرز من النظر إلى العورات كما قلنا ؛ ولأن فيها المنكرات والقعود مع قوم يشربون الخمر ، أو قوم يخوضون في آيات الله أو يغتابون ، فإن الأمور المحرمة إنما يباح منها ما تدعو إليه الحاجة ؛ ولهذا حرمت على النساء إلا لحاجة . 
لأن المرأة كلها عورة ولا يحل لها أن تضع ثيابها في غير بيت زوجها  ، ومتى دخلها لحاجة أو غير حاجة وجب عليه أن يقوم بفرض التغيير إما بيده أو بلسانه ، والأفضل اجتنابها بكل حال مع الغنى عنها ؛ لأنها مما أحدث الناس من رقيق العيش ؛ ولأنها مظنة النظر في الجملة . وقد روى أبو سعيد  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد   " رواه أحمد   ومسلم   وأبو داود   والترمذي    . 
وعن  أبي هريرة  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام   " رواه أحمد    . وعن جابر  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر    " رواه  النسائي  بإسناد صحيح . 
وعن  عبد الله بن عمرو  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنها ستفتح عليكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها : الحمامات فلا   [ ص: 406 ] يدخلها الرجال إلا بالأزر ، وامنعوا النساء إلا مريضة أو في نفساء   " رواه  أبو داود   وابن ماجه    . 
وعن  عائشة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى الرجال والنساء عن الحمامات ، ثم رخص للرجال أن يدخلوها في الميازر   " رواه أحمد  ،  وأبو داود  ،  وابن ماجه  ،  والترمذي    . وعن  عائشة  أن نساء من أهل الشام أو من أهل حمص  دخلن عليها ، فقالت : أنتن اللاتي يدخلن نساؤكن الحمامات ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها   " رواه  أبو داود  ،  وابن ماجه  ،  والترمذي  وقال : حديث حسن . 
والحاجة التي نبيحها مع قيام الحاظر : المرض والنفاس ، فإن الحمام يذهب الدرن وينفع البدن ، وكذلك الحاجة إلى الغسل من جنابة أو حيض أو غيره مع تعذره في المنزل وخشية التضرر به لبرد أو غيره . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					