مسألة 
" وصفته  أن يضرب بيديه على الأرض الصعيد الطيب ضربة واحدة ، فيمسح بهما وجهه وكفيه ؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمار    : ( إنما يكفيك هكذا ، وضرب بيديه الأرض فمسح بها وجهه وكفيه   ) ، وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز " . 
في هذه المسألة فصول : 
أحدها : أن التيمم يجزئ بضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه  ؛ لأن الله تعالى قال : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم    ) وهذا يحصل بضربة واحدة وتراب واحد ، فلا يجب أكثر من ذلك ، ولذلك لما أمكن غسل الفم والأنف   [ ص: 412 ] بغرفة واحدة ومسح الرأس بماء واحد أجزأ ( مسح الوجه واليدين بغبار واحد ) ، فإذا قيل : غبار الضربة الأولى يذهب بمسح الوجه ، قلنا : إنما يجزئ إذا مسح الوجه ببطون الأصابع ، فيبقى بطن الراحة لليد ، أو يمسح الوجه بالطبقة الأولى من التراب ، ويبقى على اليد غبار يمسحها به ، فإذا لم يبق غبار لزمه ضربة ثانية كما إذا لم يبق ماء للاستنشاق ولا بلل للأذن . 
واليد المطلقة في الشرع من مفصل الكوع ، بدليل آية السرقة والمحاربة ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يغمس يده   " ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره " . 
ولأن اليد إما أن تكون مشتركة بين المفاصل الثلاثة أو حقيقة في البعض مجازا في البعض أو حقيقة في القدر المشترك ، فإن كان الأول فوجوب المسح إلى الكوع متيقن ، وما زاد مشكوك فيه يحتاج إلى دليل ، وإن كان الثاني فينبغي أن يكون حقيقة في اليد إلى مفصل الكوع ؛ لئلا يلزم المجاز في الآيات والأحاديث ، ولا ينعكس ذلك بأنه لم نعن باليد ما هو إلى مفصل الإبط في خطاب الشرع ، وإنما فعله الصحابة احتياطا ، وإن كان الثالث فالقدر المشترك هو إلى الكوع ، ولأن اليد عند الإطلاق خلافها عند التقييد . 
فأما أن يراد بها أقصى ما يسمى يدا أو أقل ما يسمى يدا ، والأول باطل ، فيتعين الثاني . 
 [ ص: 413 ] فإن قيل : هي مطلقة في التيمم مقيدة في الوضوء ، فيحمل المطلق على المقيد ؛ لأنهما من جنس واحد وهو الطهارة ، ولأن المطلق بدل المقيد فيحكيه ، قلنا : إن سلمناه فإنما يحمل المطلق على المقيد إذا كان نوعا واحدا ، كالعتق في الظهار والجماع ، واليمين على العتق في القتل ، وكذلك الشهادة المطلقة في قوله تعالى : ( فاستشهدوا عليهن أربعة منكم    ) هي من نوع الشهادة المفسرة في قوله : ( ممن ترضون من الشهداء    ) والمسح بالتراب ليس هو من جنس الوضوء بالماء ، ثم قد اختلفا في القدر ، فهذا في عضوين وذلك في أربعة ، وفي الصفة فالوضوء شرع في التثليث ، وهو مكروه في التيمم  ، والوجه في الوضوء يغسل والأنف منه ( و ) باطن الفم وباطن الشعر الخفيف ، ويخلل ، وذلك كله يكره في التيمم ، وهذا البدل مبني على التخفيف ، فكيف يلحق بما هو مبني على الإسباغ ، ثم البدل الذي هو مسح الخف والعمامة لم يحك مبدله في الاستيعاب مع أنه بالماء ، فأن لا يحكيه المسح بالتراب أولى ، ثم يدل على فساد ذلك أن الصحابة لما تيمموا إلى الآباط لم يفهموا حمل المطلق على المقيد هنا ، وهم أهل الفهم للسان ، وقد حقق ذلك ما خرجاه في الصحيحين عن  عمار بن ياسر  قال : أجنبت فلم أصب الماء ، فتمعكت في الصعيد وصليت ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إنما يكفيك هكذا ، وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض ونفخ فيهما ، ثم مسح بهما وجهه وكفيه   " . 
 [ ص: 414 ] وفي لفظ  الدارقطني    : إنما يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين . 
وعن  عمار بن ياسر  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " في التيمم ضربة للوجه والكفين " رواه أحمد   وأبو داود   والترمذي  وصححه . 
قال أصحابنا : والأفضل أن يضرب بيديه الصعيد مفرجة أصابعه ، ويمسح ظاهر كفه اليمنى بباطن راحته اليسرى بأن يمر الراحة من رءوس أصابع اليد اليمنى حتى تنتهي إلى الكوع ، ثم يمسح ظاهر إبهام اليمنى بباطن إبهام اليسرى ، ثم يمسح اليسرى باليمنى كذلك ، ويخلل بين الأصابع ، ولو مسح الوجه بجميع اليدين ثم مسح إحداهما بالأخرى جاز وإن لم يبق عليهما غبار واحتاج إلى ضربة أخرى ؛ لأنه لا بد من مسح الوجه واليدين بالصعيد ، هكذا ذكر طائفة من أصحابنا ، وهو ظاهر المنقول عن أحمد    . 
قال  أبو داود    : " رأيت أحمد  علم رجلا التيمم ، فضرب بيديه على الأرض ضربة خفيفة ، ثم مسح إحداهما بالأخرى مسحا خفيفا ، كأنه نفض منهما التراب ، ثم مسح بهما وجهه مرة ، ثم مسح كفيه إحداهما بالأخرى " . 
وقال القاضي : " لا يجوز أن يمسح وجهه بجميع كفيه لأنه يصير التراب الذي على راحتيه مستعملا ، فإذا مسح به ظهر كفيه لم يجزئه " . وهذا ضعيف ؛ لأن المستعمل ما وصل إلى الوجه ، أما ما يبقى في اليد فليس بمستعمل كما تقدم مثل هذا في الوضوء . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					