[ ص: 268 ] الفصل الثالث : أن إحرامها في وجهها ، فلا يجوز لها أن تلبس النقاب والبرقع  وهذا إجماع . 
قال أصحابنا : وستر رأسها واجب ، فقد اجتمع في حقها ستر الرأس ، ووجوب كشف الوجه ، ولا يمكن تكميل أحدهما إلا بتفويت تكميل الآخر . فيجب أن تكمل الرأس ؛ لأنه أهم كما وجب أن تستر سائر البدن ولا تتجرد ؛ ولأن المحظور أن تستر الوجه على الوجه المعتاد كما سيأتي . وستر شيء يسير منه تبعا للرأس لا يعد سترا للوجه ، فأما في غير الإحرام : فلا بأس أن تطوف منتقبة نص عليه . 
فإن احتاجت إلى ستر الوجه ، مثل أن يمر بها الرجال وتخاف أن يروا وجهها ، فإنها ترسل من فوق رأسها على وجهها ثوبا ، نص عليه . قال أبو عبد الله    - في رواية أبي طالب    - : وإحرام الرجل في رأسه  ، ومن نام فوجد رأسه مغطى فلا بأس والأذنان من الرأس . يخمر أسفل من الأذنين وأسفل من الأنف . 
والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تخمروا رأسه " . فاذهب إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :   " وإحرام المرأة في وجهها لا تنتقب ، وتتبرقع ، وتسدل الثوب على   [ ص: 269 ] رأسها من فوق ، وتلبس من خزها ومعصفرها وحليها في إحرامها " مثل قول  عائشة    - رضي الله عنها - وذلك لما روت  عائشة  قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات ، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه   . رواه أحمد    - رضي الله عنه - ،  وأبو داود   وابن ماجه    . 
ولو فعلت ذلك لغير حاجة جاز ، على ما ذكره أحمد    - رضي الله عنه - ، قال ابن أبي موسى    : إن احتاجت سدلت لكن عليها أن تجافي ما تسدله عن البشرة ، فإن أصاب البشرة باختيارها افتدت ، وإن وقع الثوب على البشرة بغير اختيارها : رفعته بسرعة ولا فدية عليها ، كما لو غطى .... 
فإن لم ترفعه عن وجهها مع القدرة عليه افتدت ، هذا قول القاضي وأصحابه وأكثر متأخري أصحابنا ، وحملوا مطلق كلام أحمد  عليه لأنه قال : إحرام الرجل   [ ص: 270 ] في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها ، قالوا : لأن وجه المرأة كرأس الرجل بدليل ما روي .... 
ورأس الرجل لا يجوز تخميره بمخيط ولا غير مخيط فكذلك وجه المرأة . لكن موجب هذا القياس أن لا تخمر وجهها بشيء منفصل عنه كرأس الرجل وهذا غير صحيح . 
والذي يدل عليه كلام أحمد  وقدماء أصحابه : جواز الإسبال سواء وقع على البشرة أو لم يقع ؛ لأن أحمد  قال : تسدل الثوب ، وقال ابن أبي موسى    : إحرامها في وجهها فلا تغطيه ولا تتبرقع ، فإن احتاجت سدلت على وجهها ؛ لأن  عائشة  ذكرت أنهن كن يدلين جلابيبهن على وجوههن من رؤوسهن ، ولم تذكر مجافاتها . فالأصل عدمه ؛ لا سيما وهو لم يذكر ، مع أن الحاجة والظاهر أنه لم يفعل ؛ لأن الجلباب متى أرسل مس ببشرة الوجه ؛ ولأن في مجافاته مشقة شديدة ، والحاجة إلى ستر الوجه عامة . وكل ما احتيج إليه لحاجة عامة : أبيح مطلقا كلبس السراويل والخف . فعلى هذا التعليل إن باشر لغير حاجة الستر .... 
ولأن وجه المرأة كبدن الرجل وكيد المرأة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين   . ولم ينهها عن تخمير الوجه مطلقا . فمن ادعى تحريم تخميره مطلقا : فعليه الدليل ، بل تخصيص النهي بالنقاب ، وقرانه بالقفاز دليل على أنه إنما نهاها عما صنع لستر الوجه كالقفاز المصنوع لستر اليد ، والقميص المصنوع لستر البدن . 
 [ ص: 271 ] فعلى هذا : يجوز أن تخمره بالثوب من أسفل ومن فوق ، ما لم يكن مصنوعا على وجه يثبت على الوجه ، وأن تخمره بالملحفة وقت النوم ، ورأس الرجل بخلاف هذا كله . وقال ابن أبي موسى    : ومتى غطت وجهها أو تبرقعت : افتدت . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					