فصل 
وأما صفة الأجناس : فإن الطيب كله جنس واحد واللباس كله جنس واحد ، ويدخل فيه تظليل المحمل . وتقليم الأظفار جنس واحد ، وحلق الشعر جنس واحد ، والمباشرة كلها جنس واحد يعني إذا اتحد موجبها هكذا ذكره أصحابنا ؛ القاضي وأصحابه ومن بعدهم . 
ويحتمل كلامه أن يكون الحلق والتقليم جنسا واحدا . 
وهل شعر الرأس وشعر البدن جنس ، أو جنسان ؟ على روايتين منصوصتين ؛ - 
إحداهما : هو جنسان وهي اختيار أبي بكر  والقاضي وأكثر أصحابنا ؛ قال - في رواية عبد الله  والمروذي  ، وابن إبراهيم  ، وجعفر بن محمد    : في الرأس كفارة ، وفي البدن كفارة    . 
والرواية الثانية : جنس واحد اختارها أبو الخطاب  وغيره ؛ قال - في رواية ابن منصور    - في الطيب كفارة ، وفي الشعر كفارة  ، ولم يفصل . 
 [ ص: 393 ] وقال - أيضا في رواية سندي    - : شعر الرأس ، واللحية ، والإبط سواء لا أعلم أحدا فرق بينها ، إلا أن هذا في وجوب الفدية ، وليس صريحا بالتداخل . 
وقال - في رواية ابن إبراهيم    - في محرم مرض في الطريق فحلق رأسه ولبس ثيابه واطلى    : عليه هديان . 
ولو كانا جنسين لأوجب ثلاثة دماء ؛ لأن اللباس وحده فيه هدي ؛ وذلك لأن حلق الشعر كله يشترك في الاسم الخاص فوجب أن يكون جنسا واحدا كالطيب وتقليم الأظفار . 
ووجه الأول : أن شعر الرأس يخالف شعر البدن فإن النسك يتعلق بأحدهما دون الآخر لاختلاف المقصود ، ولذلك قد اختلفا في تغطية أحدهما دون الآخر وفي دهن أحدهما دون الآخر ، وفي غسل أحدهما بالسدر والخطمي دون الآخر . 
وعلى هذه الرواية : فتغطية الرأس ، ولبس المخيط جنس واحد ، وكذلك التطيب فيهما في رواية فيمن لبس عمامة وجبة : فهو كفارة إذا لم يفرق . وقد   [ ص: 394 ] تقدم نصه في رواية  الأثرم    : على أنه إذا لبس اليوم عمامة ، وغدا جبة ، وبعد غد قميصا - لمرض واحد - فكفارة واحدة . 
لكن قد يقال : إنما اتحدت الكفارة بناء على أن الجنسين إذا فعلهما مرة واحدة ، أو لسبب واحد اتحدت كفارتهما ، لكن المنصوص عنه خلافه . 
وعنه : أن كفارة الرأس لا تدخل في كفارة البدن مطلقا قال - في رواية عبد الله  والمروذي  وابن إبراهيم    - في الرأس كفارة ، وفي الجسد كفارة وإذا حلق ولبس العمامة وإذا تنور ولبس القميص : ففي الرأس فدية وفي الجسد فدية كفارتان . وكذلك في رواية الأثرم . 
قال ابن أبي موسى    : اختلف قوله فيمن لبس الثياب ، وغطى رأسه مكانه  على روايتين : 
قال - في إحداهما - : عليه فدية واحدة ، وقال في الأخرى : في لبس الرأس فدية وفي البدن فدية . 
ولم يختلف قوله : إنه إذا فرق لبسه أن عليه لكل لبسة كفارة ، ويخلع ما لبسه ، فإن لبس وكفر ثم عاد فلبس : فكفارة ثانية ، وكذلك من وجبت عليه كفارة من طيب ، أو غيره فكفر ثم عاد إلى مثل ذلك : فعليه كفارة أخرى ، فإن لم يكفر حتى عاود إلى مثل ذلك الفعل : فليس عليه إلا كفارة واحدة . 
وهذا صريح من ابن أبي موسى    : أن تغطية الرأس ، ولبس المخيط : جنسان رواية واحدة . وإنما اختلفت الروايتان إذا فعلهما في مجلس واحد [ ص: 395 ] ثم قال : ولو وجدت به علة احتاج معها إلى لبس المخيط ، لبس وكفر كفارة واحدة وسواء كانت العلة في رأسه وبدنه ، أو في أحدهما . 
فإن حدث به علتان مختلفتان ، إحداهما في رأسه والأخرى في بدنه ، فلبس ثوبا لأجل العلة ، وغطى رأسه لأجل الأخرى    : فكفارتان . 
قال أبو بكر    : الذي أقول به : في الرأس كفارة ، وفي البدن كفارة ، فأينما صنع في جسده من فعل تكرر ، أو اختلف : فكفارة واحدة ما لم يكفر ثم يعود . فإذا كان في الرأس والجسد ولم يتكرر : فكفارة في الرأس ، وكفارة في الجسد . 
وعلى هذا القول : فالتعدد : لتعدد المحل ، والاتحاد : لاتحاده فكل ما يصنع في الرأس من تغطية وحلق وغيره : ففيه كفارة واحدة ، وما يصنع في البدن : ففيه كفارة ؛ لأن أحكام الرأس في الحلق واللباس والطيب خالفت أحكام البدن فوجب أن لا يدخل أحدهما في الآخر ، فصارا كالشخصين . 
وأما دخول بعض أفعال الرأس في بعض : فهو مبني على تداخل الأجناس ، وإنما اختار أبو بكر  التداخل ؛ لأن من أصله أن الأجناس تتداخل ، كفارتها .. . ، وأما الدهن إذا أوجبنا به الكفارة ، أو إزالة الوسخ مثل السدر والخطمي ، والرأس ، والبدن ، أو التزين .. . . 
				
						
						
