( فصل ) 
ويشترط لصحة كل طواف في الحج والعمرة ، وفي غير حج وعمرة عشرة أشياء : 
أحدها : النية ، وهي أن يقصد الطواف بالبيت  ، فلو دار حول البيت طالبا لرجل ، أو متروحا بالمشي ، ونحو ذلك : لم يكن ذلك طوافا ، كما لو أمسك عن المفطرات ، ولم يقصد الصوم ، أو تجرد عن المخيط ولبى ، ولم يقصد الإحرام ، وهذا أصل مستقر في جميع العبادات المقصودة لا تصح إلا بنية ؛ لقوله سبحانه : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين    ) ، وهذا لم ينو العبادة . 
الشرط الثاني : أن يكون طاهرا من الحدث ، فلو كان محدثا أو جنبا ، أو حائضا : لم يجز له فعل الطواف  رواية واحدة ، بل هو حرام عليه ، ولا يجوز أن   [ ص: 583 ] يؤمر به ؛ لأن الأمر بالحرام حرام ؛ لما روى  ابن عباس  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :   "أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها ، غير أن لا تطوف بالبيت" رواه  أبو داود  ،  والترمذي  ، وقال : حديث حسن . 
وعن  القاسم بن محمد بن أبي بكر  ، عن أبيه ، عن أبي بكر    : "أنه خرج حاجا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومعه  أسماء بنت عميس  ، فولدت محمد بن أبي بكر  ، فأتى أبو بكر  النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرها أن تغتسل ، ثم تهل بالحج ، وتصنع ما يصنع الناس إلا أنها لا تطوف بالبيت" رواه  النسائي   وابن ماجه    . 
 [ ص: 584 ] وعن  عائشة  أنها قالت : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف ، فطمثت ، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : والله لوددت أني لم أكن خرجت العام ، قال : ما لك لعلك نفست ؟ قلت : نعم ، قال : هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ، فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" ، وذكرت الحديث متفق عليه . 
وفي رواية  لمسلم    :   " فاقض ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي" ، وفي رواية لأحمد  عن  عائشة  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :   "الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف"   . 
وهذا متواتر في حديث  عائشة    : أنها حاضت لما قدمت مكة  منعها النبي - صلى الله عليه وسلم - من الطواف ، وأمرها بالإهلال بالحج ، وطافت لما رجعت من عرفات  ، ثم اعتمرت بعد الصدر من منى    . 
وقد تقدم - أيضا - في حديث  صفية بنت حيي  أنها حاضت بعدما أفاضت ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "عقرى حلقى إنك لحابستنا" ثم قال لها : " أكنت أفضت يوم النحر ؟ قالت : نعم ، قال : فانفري" ، ورخص للحائض أن تنفر من غير وداع ، ولو كان للحائض سبيل إلى الطواف بجبران ، أو غير جبران لم يحبس النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين من أجلها ، بل أمرها بالطواف بجبران لو كان جائزا ، وكذلك لو كان جائزا لم يسقط عنها طواف الوداع ، بل أمرها به وبجبرانه . 
 [ ص: 585 ] وعن  عائشة    :   " أن أول شيء بدأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم : أنه توضأ ثم طاف بالبيت" متفق عليه . 
وعن  طاوس  عن رجل قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم   "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما الطواف صلاة ، فإذا طفتم فأقلوا الكلام" رواه أحمد   والنسائي  ، ورواه  الترمذي  ، عن  طاوس  ، عن  ابن عباس  ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :   " الطواف حول البيت مثل الصلاة ، إلا أنكم تتكلمون فيه ، فمن تكلم فيه ، فلا يتكلم إلا بخير" قال : وقد روي عن  ابن عباس  موقوفا . 
فقد جعله صلاة ، ومثل الصلاة إلا في إباحة النطق ، وهذا يقتضي أنه يساوي الصلاة في سائر الأحكام من الطهارتين والزينة ، ونحو ذلك ، إذ لو فارقها في غير الكلام لوجب استثناؤه ، فإن استثناء هذه الصورة دليل على أنها تدخل في العموم لولا الاستثناء ، وإذا دخلت هذه الصورة ، فدخول سائر الصور أوكد . 
وعلى هذا فالمحدث يمنع منه كما يمنع من الصلاة . 
 [ ص: 586 ] وأما الجنب : فيمنع منه لذلك ، ولأن الطواف لا يصح إلا في المسجد ، والجنب ممنوع من اللبث في المسجد  ، إلا أن هذا المانع يزول عنه إذا توضأ للصلاة . والحائض تمنع منه لهذين السببين إلا إذا انقطع دمها ، وتوضأت ، فإنما تمنع لسبب واحد على . . . ، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :   "غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي" دليل على أنها ممنوعة منه قبل الاغتسال ، توضأت أو لم تتوضأ ، والجنب مثلها في هذه الصورة ، ولو فرض أن الجنب والحائض يباح لهما المسجد ، لكن الحائض والجنب دخو.... يمنعان منها كما يمنعان من الاعتكاف . 
قال - في رواية أبي طالب    - : لا يطوف أحد بالبيت إلا طاهرا ، والتطوع أيسر ، ولا يقف مشاهد الحج إلا طاهرا   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					