[ ص: 295 ] مسألة : 
" والخارج النجس من غيرهما إذا فحش " 
أما النجاسة إذا خرجت من غير السبيلين  فهي قسمان : أحدهما : البول والعذرة فتنقض سواء كان قليلا أو كثيرا ، وسواء خرج من تحت المعدة أو من فوق المعدة ، وسواء استد المخرج أو لم يستد من غير اختلاف في المذهب لعموم حديث صفوان    " ولكن من غائط وبول   " ولأن السبيل إنما يغلظ حكمه لكونه مخرجهما المعتاد فإذا تغلظ حكمه بسببهما فلأن يتغلظ حكم أنفسهما أولى وأحرى ، ولا ينتقض الوضوء بخروج الريح من ذلك المخرج وقد خرج وجه إنما ينقض فيما إذا استد المخرج المعتاد وانفتح غيره بناء على جواز الاستجمار فيه ، ويجيء على قول من يقول من أصحابنا أن الريح تستصحب جزءا من النجاسة بأن ينتقض مطلقا . 
القسم الثاني : سائر النجاسات من الدم والقيح والصديد والقيء والدود  فينقض فاحشها بغير اختلاف بالمذهب ؛ لما روى معدان بن أبي طلحة  عن أبي الدرداء  أن النبي صلى الله عليه وسلم " قاء فتوضأ " فلقيت  ثوبان  في مسجد دمشق  فذكرت ذلك له فقال : صدق ، أنا صببت وضوءه ، رواه أحمد   والترمذي  وقال : " هو أصح شيء في هذا الباب " وقال  الأثرم    : قلت لأبي عبد الله  قد اضطربوا في هذا الحديث ، فقال : "  حسين المعلم  يجوده " . 
وقيل له حديث  ثوبان  ثبت عندك ؟ قال : " نعم " وروى  إسماعيل بن   [ ص: 296 ] عياش  قال : حدثني  ابن جريج  عن أبيه  وعبد الله بن أبي مليكة  عن  عائشة  رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فلينصرف فليتوضأ ثم يبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم   ) رواه الخلال   والدارقطني  ، وروى  ابن ماجه  حديث  ابن أبي مليكة  ولفظه : " من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم يبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم   " ، وقد تكلم في إسناد هذا الحديث لأن المشهور عن  ابن جريج  عن أبيه وعن أبي مليكة  عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، إلا أنه وإن كان مرسلا فهو مرسل من وجهين ، وأيده عمل الصحابة ، وروي مسندا ما يوافقه وهذا يصيره حجة عند من لا يقول بالمرسل المجرد ، لا سيما وقد قال أحمد    : " كان عمر  يتوضأ من الرعاف   " . 
 [ ص: 297 ] وقال  ابن جريج  حدثني  ابن أبي مليكة  عن  عائشة  رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، وأيضا فإن ذلك منقول عن جماعة من الصحابة في قضايا متفرقة ولم ينقل عنهم خلافه ، حكى الإمام أحمد  في الوضوء من الرعاف  عن علي   وابن مسعود   وابن عمر  وحكاه  ابن عبد البر  عن عمر   وابن عمر    . 
وروى  الشافعي  عن  ابن عمر    " أنه كان يقول من وجد رعافا أو مذيا أو قيئا انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى " ولأنه خارج نجس من البدن فجاز أن ينقض الوضوء كالخارج من السبيل ، ولا الحجامة سبب يشرع منه الغسل فوجب الوضوء منه كدم الاستحاضة ، ودليل الوصف في الفرع مذكور في موضعه ، وأما اليسير من هذه النجاسات  فالمشهور في نصه ومذهبه أنه لا ينقض ، حتى إن من أصحابنا من يجعلها رواية واحدة ، وحكى ابن أبي موسى  وغيره رواية أخرى أن يسيرها ككثيرها ، وحكاها الخلال  في القلس كذلك وحكى أبو بكر  الروايتين في القيء والدود ، بخلاف الدم لأن الدم إنما حرم المسفوح منه بنص القرآن وقد عفي عن اليسير منه ، وذلك لما ذكر الإمام أحمد  عن  ابن عمر    " أنه كان ينصرف من قليل الدم وكثيره "   . 
 [ ص: 298 ] ولأنها نجاسة فنقضت كالبول والغائط ، ووجه الأول أن عبد الله بن أبي أوفى    " بزق دما فمضى في صلاته " و " عصر  ابن عمر  بثرة فجرى دم فلم يتوضأ " ذكره أحمد   والبخاري    . 
وعن  أبي هريرة    - رضي الله عنه - " أنه أدخل أصبعه في أنفه فخرج عليها دم فلم يتوضأ "   . 
وعن  جابر بن عبد الله    - رضي الله عنه - أنه سئل عن رجل صلى فامتخط فخرج مع مخاطه شيء من دم قال " لا بأس يتم صلاته " ذكره أحمد    . 
وقال : قال  ابن عباس    " في الدم إذا كان فاحشا أعاد " وقال : " الدم إذا كان قليلا لا أرى فيه الوضوء " لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصوا فيه ولأنه لا يجب إزالة " عين " هذه النجاسة فأن لا يجب تطهير الأعضاء بسببها أولى ، وذلك لأنه ليس لها محل معتاد ولا يستعد لها والابتلاء بها كثير ، فعفي عن يسيرها في طهارتي الحدث والخبث بخلاف نجاسة السبيل ، وقد تقدم حد الكثير في مسائل العفو ، فأما الخارج الطاهر من البدن كالجشاء والنخامة ونحو ذلك فلا وضوء فيه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					