( الشرح ) حديث  حكيم  صحيح رواه أبو داود  والترمذي   والنسائي   وابن ماجه  وغيرهم بأسانيد صحيحة وقال الترمذي    : وهو حديث  [ ص: 312 ] حسن ، وقول المصنف    ( من غير إذن ) يريد من غير إذن شرعي ، فيدخل فيه الوكيل والولي والوصي وقيم القاضي في بيع مال المحجور عليه والقاضي ونائبه في بيع مال من توجه عليه أداء دين لو امتنع عن بيع ماله في وفائه ، فكل هذه الصور يصح فيها البيع لوجود الإذن الشرعي ، ويخرج منه إذن المحجور عليه لصغر أو فلس أو سفه أو رهن ، فإنه لو أذن لأجنبي في البيع لم يصح ، مع أنه مالك ، وجملة القول في هذا الفصل أنه سبق أن شروط المبيع خمسة . منها أن يكون مملوكا لمن يقع العقد له ، فإن باشر العقد لنفسه فشرطه كونه مالكا للعين ، وإن باشره لغيره بولاية أو وكالة فشرطه أن يكون لذلك الغير ، فلو باع مال غيره بغير إذن ولا ولاية فقولان ( الصحيح ) أن العقد باطل ، وهذا نصه في الجديد وبه قطع المصنف  وجماهير العراقيين وكثيرون أو الأكثرون من الخراسانيين لما ذكره المصنف  وسنزيده دلالة في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى . 
( والقول الثاني ) وهو القديم إنه ينعقد موقوفا على إجازة المالك إن أجاز صح البيع وإلا لغا ، وهذا القول حكاه الخراسانيين وجماعة من العراقيين منهم المحاملي  في اللباب والشاشي  وصاحب البيان وسيأتي دليله إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء . 
( وأما ) قول إمام الحرمين    : أن العراقيين لم يعرفوا هذا القول ، وقطعوا بالبطلان ، فمراده متقدموهم ، ثم إن كل من حكاه إنما حكاه عن القديم خاصة ، وهو نص  للشافعي  في البويطي  ، وهو من الجديد قال  الشافعي  في آخر باب الغصب من البويطي    : إن صح حديث عروة البارقي  فكل من باع أو أعتق ملك غيره بغير إذنه ثم رضي : فالبيع والعتق جائزان هذا نصه ، وقد صح حديث عروة البارقي  كما سنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء ، فصار  للشافعي  قولان في الجديد أحدهما موافق للقديم ، والله تعالى أعلم  [ ص: 313 ] قال الخراسانيون : ويجري القولان فيما لو زوج أمة غيره أو ابنته أو طلق منكوحته أو أعتق مملوكه أو أجر داره أو وهبها بغير إذنه  ، قال إمام الحرمين  يطرد هذا القول في كل عقد يقبل الاستنابة كالبيوع والإجارات والهبات والعتق والنكاح والطلاق وغيرها ، ويسمى هذا بيع الفضولي وقال إمام الحرمين  والغزالي  في البسيط والمحاملي  وخلائق لا يحصون : القولان في بيع الفضولي جاريان في شرائه لغيره بغير إذن ، قال أصحابنا فإذا اشترى الفضولي لغيره - نظر إن اشترى بعين مال ذات الغير - ففيه هذان القولان ( الجديد ) بطلانه ( والقديم ) وقفه على الإجازة ، وإن اشترى في الذمة نظر إن أطلق لفظ العقد ونوى كونه للغير فعلى الجديد يقع للمباشر ، وعلى القديم يقف على الإجازة ، فإن أجاز نفذ للمجيز ، وإلا نفذ للمباشر ، وإن قال : اشتريت لفلان بألف في ذمته ، فهو كاشترائه بعين مال الغير ، ففيه القولان ( الجديد ) بطلانه ( والقديم ) وقفه على الإجازة ، وإن اقتصر على قوله : اشتريت لفلان بألف ولم يضف الثمن إلى ذمته فعلى الجديد فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين  والغزالي  وغيرهما ( أحدهما ) يلغو العقد ( والثاني ) يقع على المباشر ، وعلى القديم يقف على الإجازة فإن أجاز نفذ للمجيز وإلا ففيه الوجهان في وقوعه للمباشر ( أما ) إذا اشترى شيئا لغيره بمال نفسه فإن لم يسمه في العقد وقع العقد للمباشر بلا خلاف ، سواء كان ذلك الغير أذن له أم لا ، وإن سماه - نظر إن لم يأذن له لغت التسمية ، وهل يقع للمباشر أم يبطل ؟ 
فيه الوجهان ، فإن أذن له فهل تلغو التسمية ؟ فيه وجهان فإن قلنا تلغو ، فهل يبطل العقد من أصله ؟ أم يقع عن المباشر ؟ فيه الوجهان ( وإن قلنا : ) لا تلغو وقع عن الإذن ، وهل يكون الثمن المدفوع قرضا ؟ أم هبة ؟ وجهان .  [ ص: 314 ] قال  الشيخ أبو محمد الجويني    : وحيث قلنا بالقديم فشرطه أن يكون للعقد مجيز في الحال مالكا كان أو غيره ، حتى لو أعتق عبد الصبي أو طلق امرأته لا يتوقف على إجازته بعد البلوغ بلا خلاف ، والمعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد حتى لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ ، وكذا لو باع ملك الغير ثم ملكه البائع وأجاز لم ينفذ قطعا ، والله تعالى أعلم . 
( فرع ) لو غصب أموالا وباعها وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى بحيث يعسر أو يتعذر تتبع ملك التصرفات بالنقض  وقلنا بالجديد فقولان ، حكاهما إمام الحرمين  والغزالي  وغيرهما ( أصحهما ) بطلان التصرفات كلها ، كما لو كان تصرفا واحدا لأنه ممنوع من كل تصرف منها ( والثاني ) للمالك أن يجيزها ويأخذ الحاصل من أثمانها لعسر تتبعها بالنقض ، والله تعالى أعلم . 
( فرع ) لو باع مال مورثه على ظن أنه حي وأنه فضولي فبان ميتا حينئذ وأنه ملك العاقد  فقولان ، وقيل : وجهان مشهوران ( أصحهما ) أن العقد صحيح لصدوره من مالك ( والثاني ) البطلان لأنه في معنى المعلق بموته ولأنه كالغائب قال الرافعي    : ولا يبعد تشبيه هذا الخلاف ببيع الهازل ، هل ينفذ أم لا ؟ وفيه وجهان . والخلاف في بيع التلجئة  وصورته أن يخاف غصب ماله أو الإكراه على بيعه ، فيبيعه لإنسان بيعا مطلقا ، وقد توافقا قبله على أنه لدفع الشر ، لا على صفة البيع ، والصحيح صحته ، لأن الاعتبار عندنا بظاهر العقود ، لا بما ينويه العاقدان ولهذا يصح بيع العينة ونكاح من قصد التحليل ونظائره . 
 [ ص: 315 ] قال أصحابنا : ويجري الخلاف في بيع العبد على ظن أنه آبق أو مكاتب فبان أنه رفع ، وأنه فسخ الكتابة  قالوا : ويجري فيمن زوج أمة أبيه على ظن حياته ، فبان ميتا ، هل يصح النكاح  ؟ والأصح صحته . قال الرافعي    : فإن صح فقد نقلوا فيه وجهين فيمن قال : إن مات أبي فقد زوجتك هذه الجارية ( قلت    : ) الأصح هنا البطلان ، ويجري القولان فيمن باع واشترى لغيره على ظن أنه فضولي ، فبان أنه قد وكله في ذلك  والأصح صحة تصرفه ، والله سبحانه وتعالى أعلم . هذان القولان في بيع الفضولي ، وفي الفرعين بعده يعبر عنهما بقولي وقف العقود ، وحيث قال أصحابنا الخراسانيون : فيه قولا وقف العقود أرادوا هذين وسميا بذلك لأن الخلاف راجع إلى العقد هل ينعقد على التوقف ؟ أم لا ينعقد بل يكون باطلا من أصله ؟ قال إمام الحرمين    : والصحة على قول الوقف وهو القديم ناجز ولكن الملك لا يحصل إلا عند الإجازة ، والله أعلم . 
( فرع ) في مذاهب العلماء في تصرف الفضولي بالبيع وغيره في مال غيره بغير إذنه  ، قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور بطلانه ، ولا نقف على الإجازة ، وكذا الوقف والنكاح وسائر العقود ، وبهذا قال  أبو ثور   وابن المنذر   وأحمد  في أصح الروايتين عنه ، وقال  مالك    : يقف البيع والشراء والنكاح على الإجازة ، فإن أجازه من عقد له صح ، وإلا بطل ، وقال  أبو حنيفة  إيجاب النكاح وقبوله يقفان على الإجازة ، ويقف البيع على الإجازة ولا يقف الشراء ، وأوقفه  إسحاق بن راهويه  في البيع واحتج لهم بقوله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى    } وفي هذا إعانة لأخيه المسلم ، لأنه لا يكفيه نعت البيع إذا كان مختارا له ، وبحديث {  حكيم بن حزام  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري له به أضحية فاشترى به أضحية وباعها بدينارين ، واشترى أضحية بدينار ، وجاءه بأضحية ودينار  [ ص: 316 ] فتصدق النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار ودعا له بالبركة   } رواه أبو داود  والترمذي  وبحديث { عروة البارقي  قال : دفع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا لأشتري له شاة ، فاشتريت له شاتين فبعت إحداهما بدينار ، وجئت بالشاة والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما كان من أمره ، فقال : بارك الله لك في صفقة يمينك ، فكان يخرج بعد ذلك إلى كناسة الكوفة  فيربح الربح العظيم ، فكان من أكثر أهل الكوفة  مالا   } رواه أبو داود  والترمذي   وابن ماجه  ، هذا لفظ الترمذي  ، وإسناد الترمذي  صحيح وإسناد الآخرين حسن ، فهو حديث صحيح . وبحديث  ابن عمر  في قصة الثلاثة أصحاب الغار { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الثالث اللهم استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ، ترك الذي له وذهب ، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله  أد إلي أجري ، فقلت : كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبد الله  لا تستهزئ بي ، فقلت : لا أستهزئ فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا   } وفي رواية " استأجرت أجيرا بفرق أرز " وذكر ما سبق رواه  البخاري   ومسلم    . قالوا : ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فجاز أن يقف على الإجازة كالوصية بأكثر من الثلث ، ولأن البيع بشرط خيار ثلاثة أيام يجوز بالاتفاق ، وهو بيع موقوف على الإجازة ، قالوا : ولأن إذن المالك لو كان شرطا في انعقاد البيع لم يجز أن يتقدم على البيع ، لأن ما كان شرطا للبيع لا يجوز تقدمه عليه ، ولهذا لما كانت الشهادة شرطا في النكاح اشترط مقارنتها العقد ، فلما أجمعنا على أن الإذن في البيع يجوز تقدمه دل على أنه ليس بشرط في صحة انعقاده . واحتج أصحابنا بحديث {  حكيم بن حزام  قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق  [ ص: 317 ] ثم أبيعه منه ؟ قال لا تبع ما ليس عندك   } وهو حديث صحيح سبق بيانه أول هذا الفصل . وعن  عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا طلاق إلا فيما تملك ولا عتق إلا فيما تملك ، ولا بيع إلا فيما تملك ، ولا وفاء نذر إلا فيما تملك   } حديث حسن أو صحيح رواه أبو داود  والترمذي   وابن ماجه  وغيرهم من طرق كثيرة بأسانيد حسنة ، ومجموعها يرتفع عن كونه حسنا . ويقتضي أنه صحيح وقال الترمذي    : هو حديث حسن . 
وعن  عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده " { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل عتاب بن أسيد  إلى أهل مكة  أن أبلغهم عني أربع خصال : أنه لا يصلح شرطان في بيع ، ولا بيع وسلف ، ولا تبع ما لم تملك ، ولا ربح ما لم تضمن   } رواه الترمذي   والنسائي   وابن ماجه  بأسانيد صحيحة ، ولأنه أحد طرفي البيع فلم يقف على الإجازة كالقبول ولأنه باع ما لا يقدر على تسليمه فلم يصح ، كبيع الآبق ، والسمك في الماء ، والطير في الهواء . 
( وأما ) احتجاجهم بالآية الكريمة ، فقال أصحابنا : ليس هذا من البر والتقوى ، بل هو من الإثم والعدوان ( وأما ) حديث  حكيم  فأجاب أصحابنا عنه بجوابين ( أحدهما ) أنه حديث ضعيف ( أما ) إسناد أبي داود  فيه ففيه شيخ مجهول ، وأما إسناد الترمذي  ففيه انقطاع بين حديث  ابن أبي ثابت  ،  حكيم بن حزام    ( الجواب الثاني ) أنه محمول على أنه كان وكيلا للنبي صلى الله عليه وسلم وكالة مطلقة ، يدل عليه أنه باع الشاة وسلمها واشترى وعند المخالف لا يجوز التسليم إلا بإذن مالكها ، ولا يجوز عند  أبي حنيفة  شراء الثانية موقوفا على الإجازة وهذا الجواب الثاني هو الجواب عن حديث عروة البارقي    ( وأما ) حديث  ابن عمر  حديث الغار فجوابه أن هذا شرع لمن قبلنا ، وفي كونه شرعا لنا خلاف مشهور ( فإن قلنا : ) ليس بشرع لنا لم يكن فيه حجة وإلا فهو محمول على أنه استأجره بأرز في الذمة ولم يسلمه إليه . بل عينه له فلم يتعين من غير قبض ، فبقي على ملك المستأجر ، لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح ، ثم إن المستأجر  [ ص: 318 ] تصرف فيه وهو ملكه فيصح تصرفه سواء اعتقده له أو للأجير ، ثم تبرع بما اجتمع منه على الأجر بتراضيهما . 
( والجواب ) عن قياسهم على الوصية أنها تحتمل الغرر وتصح بالمجهول والمعدوم ، بخلاف البيع ( والجواب ) عن شرط الخيار أن البيع مجزوم به منعقد في الحال ، وإنما المنتظر فسخه ، ولهذا إذا مضت المدة ولم يفسخ لزم البيع ( والجواب ) عن القياس الأخير أنه ينتقض بالصوم ، فإن النية شرط لصحته ، وتتقدم عليه ، ولأن الإذن ليس متقدما على العقد ، وإنما الشرط كونه مأذونا له حالة العقد ، والله سبحانه وتعالى أعلم . 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					