( 1335 ) مسألة : قال : ( وإذا لم يكن في القرية أربعون رجلا عقلاء ، لم تجب عليهم الجمعة ) وجملته أن الجمعة إنما تجب بسبعة شرائط : إحداها ، أن تكون في قرية .  والثاني ، أن يكونوا أربعين . والثالث ، الذكورية . والرابع ، البلوغ . والخامس ، العقل . والسادس ، الإسلام . والسابع ، الاستيطان . 
وهذا قول أكثر أهل العلم ، فأما القرية فيعتبر أن تكون مبنية بما جرت العادة ببنائها به ، من حجر أو طين أو لبن أو قصب أو شجر ونحوه ، فأما أهل الخيام وبيوت الشعر والحركات فلا جمعة عليهم ، ولا تصح منهم ; لأن ذلك لا ينصب للاستيطان غالبا ، وكذلك كانت قبائل العرب  حول المدينة  ، فلم يقيموا جمعة ، ولا أمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك لم يخف ، ولم يترك نقله ، مع كثرته وعموم البلوى به ، لكن إن كانوا مقيمين بموضع يسمعون النداء ، لزمهم السعي إليها ، كأهل القرية الصغيرة إلى جانب المصر 
ذكره  القاضي  ويشترط في القرية  أيضا أن تكون مجتمعة البناء بما جرت العادة في القرية الواحدة ، فإن كانت متفرقة المنازل تفرقا لم تجر العادة به ، لم تجب عليهم الجمعة ، إلا أن يجتمع منها ما يسكنه أربعون ، فتجب الجمعة بهم ، ويتبعهم الباقون 
ولا يشترط اتصال البنيان بعضه ببعض ، وحكي عن  الشافعي  أنه شرط ، ولا يصح ; لأن القرية المتقاربة البنيان قرية مبنية على ما جرت به عادة القرى ، فأشبهت المتصلة ، ومتى كانت القرية لا تجب الجمعة على أهلها بأنفسهم ، وكانوا بحيث يسمعون النداء من مصر ، أو من قرية  تقام فيها الجمعة ، لزمهم السعي إليها ، لعموم الآية . 
( 1336 ) فصل : فأما الإسلام والعقل والذكورية ، فلا خلاف في اشتراطها لوجوب الجمعة وانعقادها ; لأن الإسلام والعقل شرطان للتكليف وصحة العبادة المحضة ، والذكورية شرط لوجوب الجمعة وانعقادها  ، لأن الجمعة يجتمع لها الرجال ، والمرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال ، ولكنها تصح منها لصحة الجماعة منها ، فإن النساء كن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجماعة   . وأما البلوغ ، فهو شرط أيضا لوجوب الجمعة  
وانعقادها ، في الصحيح من المذهب ، وقول أكثر أهل العلم ; لأنه من شرائط التكليف ، بدليل قوله : عليه السلام { رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ   } ، وذكر بعض أصحابنا في الصبي المميز رواية أخرى ، أنها واجبة عليه ، بناء على تكليفه ، ولا معول عليه . ( 1337 ) فصل : فأما الأربعون ، فالمشهور في المذهب أنه شرط لوجوب الجمعة وصحتها . 
 [ ص: 89 ] وروي ذلك عن  عمر بن عبد العزيز  ،  وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ،  وهو مذهب  مالك  ،  والشافعي  
وروي عن  أحمد  أنها لا تنعقد إلا بخمسين ; لما روى  أبو بكر النجاد  ، عن عبد الملك الرقاشي  ، حدثنا رجاء بن سلمة  ، حدثنا عباد بن عباد المهلبي  ، عن جعفر بن الزبير  ، عن القاسم  ، عن أبي أمامة  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تجب الجمعة على خمسين رجلا ، ولا تجب على ما دون ذلك   } وبإسناده عن الزهري  ، عن  أبي سلمة  ، قال {   : قلت  لأبي هريرة    : على كم تجب الجمعة من رجل ؟ قال : لما بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين جمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم   } . 
وعن  أحمد  أنها تنعقد بثلاثة ، وهو قول الأوزاعي  ،  وأبي ثور    ; لأنه يتناوله اسم الجمع ، فانعقدت به الجماعة كالأربعين ، ولأن الله تعالى قال : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله    } وهذه صيغة الجمع ، فيدخل فيه الثلاثة . وقال  أبو حنيفة    : تنعقد بأربعة ; لأنه عدد يزيد على أقل الجمع المطلق ، أشبه الأربعين . 
وقال  ربيعة    : تنعقد باثني عشر رجلا ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، { أنه كتب إلى  مصعب بن عمير  بالمدينة  ، فأمره أن يصلي الجمعة عند الزوال ركعتين ، وأن يخطب فيهما فجمع  مصعب بن عمير  في بيت  سعد بن خيثمة  باثني عشر رجلا   } . وعن  جابر  قال : { كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، فقدمت سويقة ، فخرج الناس إليها ، فلم يبق إلا اثنا عشر رجلا ، أنا فيهم ، فأنزل الله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما    } . إلى آخر الآية .   } رواه  مسلم .  
وما يشترط للابتداء يشترط للاستدامة . ولنا ، ما روى  كعب بن مالك  ، قال : أول من جمع بنا  أسعد بن زرارة  ، في هزم النبيت  ، من حرة بني بياضة  ،  في نقيع يقال له   : نقيع الخضمات  قلت له : كم كنتم يومئذ ؟ قال : أربعون . رواه أبو داود  ،  والأثرم .  
وروى خصيف  ، عن  عطاء  ، عن  جابر بن عبد الله  ، قال : مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة .  رواه  الدارقطني    . وضعفه ابن الجوزي .  وقول الصحابي : مضت السنة . ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما من روى أنهم كانوا اثني عشر رجلا ، فلا يصح ; فإن ما رويناه أصح منه رواه أصحاب السنن . والخبر الآخر يحتمل أنهم عادوا فحضروا القدر الواجب ، ويحتمل أنهم عادوا قبل طول الفصل . 
فأما الثلاثة والأربعة فتحكم بالرأي فيما لا مدخل له فيه ، فإن التقديرات بابها التوقيف ، فلا مدخل للرأي فيها ، ولا معنى لاشتراط كونه جمعا ، ولا للزيادة على الجمع ، إذ لا نص في هذا ولا معنى نص ، ولو كان الجمع كافيا فيه ، لاكتفي بالاثنين ، فإن الجماعة تنعقد بهما . ( 1338 ) 
فصل : فأما الاستيطان ، فهو شرط  في قول أكثر أهل العلم . 
وهو الإقامة في قرية ، على الأوصاف المذكورة ، لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء ، ولا تجب على مسافر ولا على مقيم في قرية يظعن أهلها عنها في الشتاء دون الصيف ، أو في بعض السنة فإن خربت القرية أو بعضها ، وأهلها مقيمون بها ، عازمون على إصلاحها  ، فحكمها باق في إقامة الجمعة بها . وإن عزموا على النقلة عنها ، لم تجب عليهم ; لعدم الاستيطان 
 [ ص: 90 ] فصل : واختلفت الرواية في شرطين آخرين : أحدهما ، الحرية . ونذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . والثاني ، إذن الإمام  والصحيح أنه ليس بشرط ، وبه قال  مالك  ،  والشافعي  ،  وأبو ثور  والثانية : هو شرط ، روي ذلك عن الحسن  ، والأوزاعي  ،  وحبيب بن أبي ثابت   وأبي حنيفة    ; لأنه لا يقيمها إلا الأئمة في كل عصر ، فصار ذلك إجماعا . 
ولنا ، أن  عليا  صلى الجمعة بالناس  وعثمان  محصور ، فلم ينكره أحد ، وصوب ذلك  عثمان  وأمر بالصلاة معهم ، فروى حميد بن عبد الرحمن  ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار  ، أنه دخل على  عثمان  وهو محصور ، فقال : إنه قد نزل بك ما ترى ، وأنت إمام العامة ، وهو يصلي بنا إمام فتنة ، وأنا أتحرج من الصلاة معه . فقال : إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسنوا فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم . أخرجه  البخاري  ،  والأثرم ،  وهذا لفظ رواية  الأثرم    . 
وقال  أحمد  وقعت الفتنة بالشام  تسع سنين ، فكانوا يجمعون . وروى  مالك  ، في " الموطأ " عن  أبي جعفر القارئ  أنه رأى صاحب المقصورة في الفتنة حين حضرت الصلاة ، فخرج يتبع الناس ، يقول : من يصلي بالناس . حتى انتهى إلى  عبد الله بن عمر  ، فقال له  عبد الله بن عمر    : تقدم أنت فصل بين يدي الناس 
ولأنها من فرائض الأعيان ، فلم يشترط لها إذن الإمام ، كالظهر ، ولأنها صلاة أشبهت سائر الصلوات ، وما ذكروه إجماعا لا يصح ، فإن الناس يقيمون الجمعات في القرى من غير استئذان أحد ، ثم لو صح أنه لم يقع إلا ذلك لكان إجماعا على جواز ما وقع ، لا على تحريم غيره ، كالحج يتولاه الأئمة ، وليس بشرط فيه . فإن قلنا : هو شرط فلم يأذن الإمام فيه ، لم يجز أن يصلوا جمعة وصلوا ظهرا . 
وإن أذن في إقامتها ثم مات ، بطل إذنه بموته ، فإن صلوا ، ثم بان أنه قد مات قبل ذلك ، فهل تجزئهم صلاتهم ؟ على روايتين : أصحهما ، أنها تجزئهم ; لأن المسلمين في الأمصار النائية عن بلد الإمام لا يعيدون ما صلوا من الجمعات بعد موته ، ولا نعلم أحدا أنكر ذلك عليهم ، فكان إجماعا ، ولأن وجوب الإعادة يشق ; لعمومه في أكثر البلدان 
وإن تعذر إذن الإمام لفتنة  ، فقال  القاضي    : ظاهر كلامه صحتها بغير إذن ، على كلتا الروايتين فعلى هذا يكون الإذن معتبرا مع إمكانه ، ويسقط اعتباره بتعذره . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					