( 3991 ) فصل : إذا غصب طعاما ، فأطعمه غيره ، فللمالك تضمين أيهما شاء ;  لأن الغاصب حال بينه وبين ماله ، والآكل أتلف مال غيره بغير إذنه ، وقبضه عن يد ضامنه بغير إذن مالكه ، فإن كان الآكل عالما  [ ص: 170 ] بالغصب ، استقر الضمان عليه ;  لكونه أتلف مال غيره بغير إذن عالما من غير تغرير ، فإذا ضمن الغاصب ، رجع عليه ، وإن ضمن الآكل ، لم يرجع على أحد . 
وإن لم يعلم الآكل بالغصب  نظرنا ; فإن كان الغاصب قال له : كله ، فإنه طعامي . استقر الضمان عليه ; لاعترافه بأن الضمان باق عليه ، وأنه لا يلزم الآكل شيء . وإن لم يقل ذلك ، ففيه روايتان ; إحداهما ، يستقر الضمان على الآكل . وبه قال  أبو حنيفة  ،  والشافعي  في الجديد ; لأنه ضمن ما أتلف ، فلم يرجع به على أحد . 
والثانية ، يستقر الضمان على الغاصب ; لأنه غر الآكل ، وأطعمه على أنه لا يضمنه . وهذا ظاهر كلام  الخرقي    ; لقوله في المشتري للأمة : يرجع بالمهر وكل ما غرم على الغاصب . وأيهما استقر عليه الضمان فغرمه ، لم يرجع على أحد ، فإن غرمه صاحبه ، رجع عليه . وإن أطعم المغصوب لمالكه ، فأكله عالما أنه طعامه ، برئ الغاصب . وإن لم يعلم ، وقال له الغاصب : كله ، فإنه طعامي . استقر الضمان على الغاصب ;  
لما ذكرنا ، وإن كانت له بينة بأنه طعام المغصوب منه . وإن لم يقل ذلك ، بل قدمه إليه ، وقال : كله ، أو قال : قد وهبتك إياه . أو سكت ، فظاهر كلام  أحمد  أنه لا يبرأ ; لأنه قال في رواية  الأثرم  ، في رجل ، له قبل رجل تبعة ، فأوصلها إليه على سبيل صدقة أو هدية ، فلم يعلم ، فقال : كيف هذا ؟ هذا يرى أنه هدية . يقول له : هذا لك عندي . 
وهذا يدل على أنه لا يبرأ هاهنا بأكل المالك طعامه بطريق الأولى ; لأنه ثم رد إليه يده وسلطانه ، وها هنا بالتقديم إليه لم تعد إليه اليد والسلطان ، فإنه لا يتمكن من التصرف فيه بكل ما يريد ، من أخذه وبيعه والصدقة به ، فلم يبرأ الغاصب ، كما لو علفه لدوابه ، ويتخرج أن يبرأ بناء على ما مضى إذا أطعمه لغير مالكه ، فإنه يستقر الضمان على الآكل في إحدى الروايتين ، فيبرأ هاهنا بطريق الأولى . وهذا مذهب  أبي حنيفة    .   . وإن وهب المغصوب لمالكه ، أو أهداه إليه ،  
فالصحيح أنه يبرأ ; لأنه قد سلمه إليه تسليما صحيحا تاما ، وزالت يد الغاصب ، وكلام  أحمد  ، في رواية  الأثرم  ، وارد فيما إذا أعطاه عوض حقه على سبيل الهدية ، فأخذه المالك على هذا الوجه ، لا على سبيل العوض ، فلم تثبت المعاوضة ، ومسألتنا فيما إذا رد إليه عين ماله ، وأعاد يده التي أزالها .  وإن باعه إياه ، وسلمه إليه ،  برئ من الضمان ; لأنه قبضه بالابتياع ، والابتياع يوجب الضمان وإن أقرضه إياه ،  برئ أيضا ; لذلك . وإن أعاره إياه ،  برئ أيضا ; لأن العارية توجب الضمان . 
وإن أودعه إياه ، أو آجره إياه ، أو رهنه ، أو أسلمه عنده ليقصره أو يعلمه ،  لم يبرأ من الضمان ، إلا أن يكون عالما بالحال ; لأنه لم يعد إليه سلطانه ، إنما قبضه على أنه أمانة . وقال بعض أصحابنا : يبرأ ; لأنه عاد إلى يده وسلطانه . 
وهذا أحد الوجهين لأصحاب  الشافعي    . والأول أولى ; فإنه لو أباحه إياه فأكله ، لم يبرأ ، فهاهنا أولى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					