( 4142 ) مسألة قال : ( إذا كان البذر من رب الأرض ) ظاهر المذهب أن المزارعة إنما تصح إذا كان البذر من رب الأرض ، والعمل من العامل    . نص عليه  أحمد  ، في رواية جماعة . واختاره عامة الأصحاب . وهو مذهب  ابن سيرين   والشافعي  ، وإسحاق    ; لأنه عقد يشترك العامل ورب المال في نمائه ، فوجب أن يكون رأس المال كله من عند أحدهما ، كالمساقاة والمضاربة 
وقد روي عن  أحمد  ما يدل على أن البذر يجوز أن يكون من العامل فإنه قال في رواية مهنا  ، في الرجل  [ ص: 245 ] يكون له الأرض فيها نخل وشجر ، يدفعها إلى قوم يزرعون الأرض ويقومون على الشجر ، على أن له النصف ، ولهم النصف : فلا بأس بذلك ، وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر  على هذا . فأجاز دفع الأرض لزرعها من غير ذكر البذر . فعلى هذا أيهما أخرج البذر ، جاز وروي ذلك عن  عمر بن الخطاب  ، رضي الله عنه 
وهو قول  أبي يوسف  ، وطائفة من أهل الحديث ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى . وروي عن  سعد  ،  وابن مسعود  ،  وابن عمر  ، أن البذر من العامل . ولعلهم أرادوا أنه يجوز أن يكون من العامل ، فيكون كقول  عمر  ، ولا يكون قولا ثالثا . والدليل على صحة ما ذكرنا ، قول  ابن عمر    {   : دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر  نخل خيبر  وأرضها ، على أن يعملوها من أموالهم ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها   } . وفي لفظ { على أن يعملوها ، ويزرعوها ، ولهم شطر ما يخرج منها .   } أخرجهما  البخاري    . 
فجعل عملها من أموالهم ، وزرعها عليهم ، ولم يذكر شيئا آخر ، وظاهره أن البذر من أهل خيبر    . والأصل المعول عليه في المزارعة قصة خيبر  ، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن البذر على المسلمين ، ولو كان شرطا لما أخل بذكره ، ولو فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لنقل ، ولم يجز الإخلال بنقله . 
ولأن  عمر  رضي الله عنه فعل الأمرين جميعا ، فإن  البخاري  روى عنه ، أنه عامل الناس على أنه إن جاء  عمر  بالبذر من عنده ، فله الشطر ، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا ، فظاهر هذا أن ذلك اشتهر فلم ينكر ، فكان إجماعا 
فإن قيل : فهذا بمنزلة بيعتين في بيعة ، فكيف يفعله  عمر  رضي الله عنه ؟ قلنا : يحتمل أنه قال ذلك ليخيرهم في أي العقدين شاءوا ، فمن اختار عقدا عقده معه معينا ، كما لو قال في البيع : إن شئت بعتكه بعشرة صحاح ، وإن شئت بأحد عشر مكسورة . فاختار أحدهما فعقد البيع معه عليه معينا . ويجوز أن يكون مجيئه بالبذر ، أو شروعه في العمل بغير بذر ، مع إقرار  عمر  له على ذلك وعلمه به جرى مجرى العقد ، ولهذا روي عن  أحمد  صحة الإجارة فيما إذا قال : إن خطته روميا فلك درهم ، وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم . وما ذكره أصحابنا من القياس يخالف ظاهر النص والإجماع اللذين ذكرناهما ، فكيف يعمل به ؟ ثم هو منتقض بما إذا اشترك مالان وبدن صاحب أحدهما . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					