( 4336 ) فصل : وإن تحجر مواتا  ، وهو أن يشرع في إحيائه ، مثل إن أدار حول الأرض ترابا أو أحجارا ، أو حاطها بحائط صغير ،  لم يملكها بذلك ; لأن الملك بالإحياء ، وليس هذا بإحياء ، لكن يصير أحق الناس به ; لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ، فهو أحق به   } . رواه أبو داود    . فإن نقله إلى غيره ، صار الثاني بمنزلته ; لأن صاحبه أقامه مقامه . وإن مات فوارثه أحق به ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من ترك حقا أو مالا ، فهو لورثته   } . فإن باعه ، لم يصح بيعه ; لأنه لم يملكه ، فلم يملك بيعه كحق الشفعة قبل الأخذ به ، وكمن سبق إلى معدن أو مباح قبل أخذه 
قال  أبو الخطاب    : ويحتمل جواز بيعه ; لأنه له ، فإن سبق غيره فأحياه ، ففيه وجهان أحدهما أنه يملكه ; لأن الإحياء يملك به ، والتحجر لا يملك به ، فثبت الملك بما يملك به دون ما لم يملك به ، كمن سبق إلى معدن أو مشرعة ماء ، فجاء غيره ، فأزاله وأخذه    . 
والثاني لا يملكه لأن مفهوم قوله عليه السلام : " من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد " وقوله : " في حق غير مسلم ، فهي له " . أنها لا تكون له إذا كان لمسلم فيها حق . وكذلك قوله : { من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ، فهو أحق به   } 
وروى سعيد  ، في " سننه " أن  عمر  رضي الله عنه قال : من كانت له أرض يعني من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين ، فجاء قوم فعمروها  ، فهم أحق بها . وهذا يدل على أن من عمرها قبل ثلاث سنين لا يملكها ; ولأن الثاني أحيا في حق غيره ، فلم يملكه ، كما لو أحيا ما يتعلق به مصالح ملك غيره ، ولأن حق المتحجر أسبق ، فكان أولى ، كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري . فإن طالت المدة عليه  [ ص: 332 ] فينبغي أن يقول له السلطان : إما أن تحييه ، أو تتركه ليحييه غيرك 
لأنه ضيق على الناس في حق مشترك بينهم ، فلم يمكن من ذلك ، كما لو وقف في طريق ضيق ، أو مشرعة ماء ، أو معدن لا ينتفع به ، ولا يدع غيره ينتفع  فإن سأل الإمهال لعذر له ، أمهل الشهر والشهرين ، ونحو ذلك . فإن أحياه غيره في مدة المهلة ; ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما . وإن تقضت المدة ولم يعمر ، فلغيره أن يعمره ويملكه ; لأن المدة ضربت له لينقطع حقه بمضيها ، وسواء أذن له السلطان في عمارتها ، أو لم يأذن له . وإن لم يكن للمتحجر عذر في ترك العمارة ، قيل له : إما أن تعمر ، وإما أن ترفع يدك ، فإن لم يعمرها ، كان لغيره عمارتها ، فإن لم يقل له شيء ، واستمر تعطيلها 
فقد ذكرنا عن  عمر  رضي الله عنه أن من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين ، فجاء قوم فعمروها ، فهم أحق بها . ومذهب  الشافعي  في هذا كله نحو ما ذكرنا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					