( 5176 ) مسألة ; قال : ( ومن أراد أن يتزوج امرأة هو وليها  ، جعل أمرها إلى رجل يزوجها منه بإذنها ) وجملته أن ولي المرأة التي يحل له نكاحها ، وهو ابن العم ، أو المولى أو الحاكم ، أو السلطان ، إذا أذنت له أن يتزوجها ، فله ذلك ، وهل له أن يلي طرفي العقد بنفسه ؟ فيه روايتان ; إحداهما ، له ذلك . وهو قول الحسن  ،  وابن سيرين  ،  وربيعة  ،  ومالك  ،  والثوري  ،  وأبي حنيفة  ، وإسحاق  ،  وأبي ثور  ،  وابن المنذر    ; لما روى  البخاري  ، قال : قال  عبد الرحمن بن عوف  ، لأم حكيم  ابنة قارظ    : أتجعلين أمرك إلي ؟ قالت : نعم . قال : قد تزوجتك . 
ولأنه يملك الإيجاب والقبول ، فجاز أن يتولاهما ، كما لو زوج أمته عبده الصغير ، ولأنه عقد وجد فيه الإيجاب من ولي ثابت الولاية ، والقبول من زوج هو أهل للقبول ، فصح ، كما لو وجدا من رجلين . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم {   : أعتق صفية  ، وجعل عتقها صداقها .   } فإن قيل : فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح : زوج ، وولي ، وشاهدان   } . قلنا : هذا لا نعرف صحته ، وإن صح فهو مخصوص بمن  [ ص: 20 ] زوج أمته عبده الصغير ، فيخص منه محل النزاع أيضا 
وهل يفتقر إلى ذكر الإيجاب والقبول ، أم يكتفى بمجرد الإيجاب ؟ فيه وجهان ; أحدهما ، يحتاج أن يقول : زوجت نفسي فلانة ، وقبلت هذا النكاح . لأن ما افتقر إلى الإيجاب افتقر إلى القبول ، كسائر العقود . والثاني ، يكفيه أن يقول : زوجت نفسي فلانة ، أو تزوجت فلانة . وهو قول  مالك  ،  وأبي حنيفة    ; لحديث  عبد الرحمن بن عوف  ، ولأن إيجابه يتضمن القبول ، فأشبه إذا تقدم الاستدعاء ، ولهذا قلنا : إذا قال لأمته : قد أعتقتك ، وجعلت عتقك صداقك . انعقد النكاح بمجرد هذا القول 
والرواية الثانية ، لا يجوز أن يتولى طرفي العقد ، ولكن يوكل رجلا يزوجه إياها بإذنها . قال  أحمد  رحمه الله في رواية ابن منصور    : لا يزوج نفسه حتى يولي رجلا ، على حديث  المغيرة بن شعبة  ، وهو ما روى أبو داود  ، بإسناده عن  عبد الملك بن عمير  ، أن  المغيرة بن شعبة  أمر رجلا زوجه امرأة  المغيرة  أولى به منه . ولأنه عقد ملكه بالإذن ، فلم يجز أن يتولى طرفيه ، كالبيع . وبهذا فارق ما إذا زوج أمته عبده الصغير 
وعلى هذه الرواية ، إن وكل من يقبل له النكاح ، وتولى هو الإيجاب ، جاز . وقال  الشافعي  في ابن العم والمولى : لا يزوجها إلا الحاكم ، ولا يجوز أن يتولى طرفي العقد ، ولا أن يوكل من يزوجه ; لأن وكيله بمنزلته ، وهذا عقد ملكه بالإذن ، فلا يتولى طرفيه ، كالبيع . ولا يجوز أن يزوجه من هو أبعد منه من الأولياء ; لأنه لا ولاية لهم مع وجوده . ولنا ، ما ذكرناه من فعل الصحابة ، ولم يظهر خلافه ، ولأن وكيله يجوز أن يلي العقد عليها لغيره ، فصح أن يليه عليها له إذا كانت تحل له ، كالإمام إذا أراد أن يزوج موليته 
ولأن هذه امرأة ، ولها ولي حاضر غير عاضل ، فلم يلها الحاكم ، كما لو أراد أن يزوجها غيره . ومفهوم قوله عليه السلام {   : السلطان ولي من لا ولي له   } . أنه لا ولاية له على هذه . ( 5177 ) فصل : وإذا أذنت له في تزويجها ، ولم تعين الزوج  ، لم يجز أن يزوجها نفسه ; لأن إطلاق الإذن يقتضي تزويجها غيره ، ويجوز تزويجها لولده ; لأنه غيره . فإن زوجها لابنه الكبير ، قبل لنفسه ، وإن زوجها لابنه الصغير ، ففيه الروايتان في تولي طرفي العقد ; فإن قلنا : لا يتولاه 
فوكل رجلا يزوجها لولده ، وقبل هو النكاح له ، افتقر إلى إذنها للوكيل ، على ما قدمنا من أن الوكيل لا يزوجها إلا بإذنها . وإن وكل رجلا يقبل لولده النكاح ، وأوجب هو النكاح ، لم يحتج إلى إذنها ; لأنها قد أذنت له . 
				
						
						
