( 5574 ) فصل : ولا يصح الصداق إلا معلوما يصح بمثله البيع    . وهذا اختيار أبي بكر  ، ومذهب  الشافعي    . وقال  القاضي    : يصح مجهولا ، ما لم تزد جهالته على مهر المثل ; لأن جعفر بن محمد  نقل عن  أحمد  في رجل تزوج امرأة على ألف درهم وخادم ، فطلقها قبل أن يدخل بها :  يقوم الخادم وسطا على قدر ما يخدم مثلها . ونحو هذا قول  أبي حنيفة  فعلى هذا إذا تزوجها على عبد ، أو أمة ، أو فرس ، أو بغل ، أو حيوان من جنس معلوم ، أو ثوب هروي أو مروي ، وما أشبهه مما يذكر جنسه ، فإنه يصح ، ولها الوسط . وكذلك قفيز حنطة ، وعشرة أرطال زيت . 
وإن كانت الجهالة تزيد على جهالة مهر المثل ، كثوب أو دابة أو حيوان ، أو على حكمها أو حكمه أو حكم أجنبي ، أو على حنطة أو شعير أو زيت ، أو على ما اكتسبه في العام ، لم يصح ; لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط ، فيتعذر تسليمه . وفي الأول يصح ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { العلائق ما تراضى عليه الأهلون .   } 
وهذا قد تراضوا عليه ، ولأنه موضع يثبت فيه الحيوان في الذمة بدلا عما ليس المقصود فيه المال ، فثبت مطلقا كالدية ، ولأن جهالة التسمية ها هنا أقل من جهالة مهر المثل ، لأنه يعتبر بنسائها ممن يساويها في صفاتها وبلدها وزمانها ونسبها ، ثم لو تزوجها على مهر مثلها صح ، فهاهنا مع قلة الجهل فيه أولى ويفارق البيع ; فإنه لا يحتمل فيه  [ ص: 169 ] الجهالة بحال ، وقال  مالك    : يصح مجهولا ; لأن ذلك ليس بأكثر من ترك ذكره وقال  أبو الخطاب    : إن تزوجها على عبد من عبيده ، أو قميص من قمصانه ، أو عمامة من عمائمه ونحو ذلك صح ، لأن ;  أحمد  قال في رواية مهنا  ، في من تزوج على عبد من عبيده : جائز ، فإن كانوا عشرة عبيد ، تعطى من أوسطهم ، فإن تشاحا أقرع بينهم . قلت : وتستقيم القرعة في هذا ؟ قال : نعم . ووجهه أن الجهالة ها هنا يسيرة ، ويمكن التعيين بالقرعة ، بخلاف ما إذا أصدقها عبدا مطلقا ، فإن الجهالة تكثر ، فلا يصح . 
ولنا أن الصداق عوض في عقد معاوضة ، فلم يصح مجهولا ، كعوض البيع والإجارة ، ولأن المجهول لا يصلح عوضا في البيع ، فلم تصح تسميته كالمحرم ، وكما لو زادت جهالته على مهر المثل ، وأما الخبر ، فالمراد به ما تراضوا عليه مما يصلح عوضا ، بدليل سائر ما لا يصلح ، وأما الدية ، فإنها تثبت بالشرع ، لا بالعقد ، وهي خارجة عن القياس في تقديرها ، ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا ، ثم إن الحيوان الثابت فيها موصوف بسنه ، مقدر بقيمته ، فكيف يقاس عليه العبد المطلق في الأمرين ؟ ثم ليست عقدا ، وإنما الواجب بدل متلف ، لا يعتبر فيه التراضي ، فهو كقيم المتلفات ، فكيف يقاس عليها عوض في عقد يعتبر تراضيهما به ؟ ثم إن قياس العوض في عقد معاوضة على عوض في معاوضة أخرى ، أصح وأولى من قياسه على بدل متلف ، وأما مهر المثل ، فإنما يجب عند عدم التسمية الصحيحة ، كما تجب قيم المتلفات ، وإن كانت تحتاج إلى نظر ، ألا ترى أنا نصير إلى مهر المثل عند عدم التسمية ، ولا نصير إلى عبد مطلق ، ولو باع ثوبا بعبد مطلق فأتلفه المشتري  ، فإنا نصير إلى تقويمه ، ولا نوجب العبد المطلق ، ثم لا نسلم أن جهالة المطلق من الجنس الواحد دون جهالة مهر المثل ، فإن العادة في القبائل والقرى أن يكون لنسائهم مهر لا يكاد يختلف إلا بالبكارة والثيوبة فحسب ، فيكون إذا معلوما ، والوسط من الجنس يبعد الوقوف عليه ، لكثرة أنواع الجنس واختلافها ، واختلاف الأعيان في النوع الواحد . 
وأما تخصيص التصحيح بعبد من عبيده ، فلا نظير له يقاس عليه ، ولا نعلم فيه نصا يصار إليه ، فكيف يثبت الحكم فيه بالتحكم ؟ وأما نصوص  أحمد  على الصحة فتأولها أبو بكر  على أنه تزوجها على عبد معين ، ثم أشكل عليه . إذا ثبت هذا ، فإن لها مهر المثل في كل موضع حكمنا بفساد التسمية ، ومن قال بصحتها ، أوجب الوسط من المسمى ، والوسط من العبيد السندي ; لأن الأعلى التركي والرومي ، والأسفل الزنجي والحبشي ، والوسط السندي والمنصوري . قال  القاضي    : وإن أعطاها قيمة العبد ، لزمها قبولها ، إلحاقا بالإبل في الدية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					