[ ص: 191 ] مسألة ; قال : ( وإذا خلا بها بعد العقد ، فقال : لم أطأها وصدقته ، لم يلتفت إلى قولهما ، وكان حكمهما حكم الدخول ، في جميع أمورهما ، إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا ، أو في الزنى ، فإنهما يجلدان ، ولا يرجمان ) وجملة ذلك أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح  استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة ، وإن لم يطأ . روي ذلك عن الخلفاء الراشدين  وزيد  ،  وابن عمر    . وبه قال  علي بن الحسين   وعروة  ،  وعطاء  ، والزهري  ، والأوزاعي  ، وإسحاق  ، وأصحاب الرأي . وهو قديم قولي  الشافعي  وقال  شريح  ، والشعبي  ،  وطاوس  ،  وابن سيرين  ،  والشافعي  في الجديد : لا يستقر إلا بالوطء . وحكي ذلك عن  ابن مسعود  ،  وابن عباس    . وروي نحو ذلك عن  أحمد  وروى عنه يعقوب بن بختان  ، أنه قال : إذا صدقته المرأة ، أنه لم يطأها ، لم يكمل لها الصداق ، وعليها العدة . وذلك لقول الله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم    } وهذه قد طلقها قبل أن يمسها . وقال تعالى : { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض    } والإفضاء : الجماع . ولأنها مطلقة لم تمس ، أشبهت من لم يخل بها . 
ولنا : إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، روى الإمام  أحمد  ،  والأثرم  ، بإسنادهما ، عن زرارة بن أوفى  ، قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون ، أن من أغلق بابا ، أو أرخى سترا ، فقد وجب المهر ، ووجبت العدة . ورواه  الأثرم  أيضا ، عن الأحنف ،  عن  عمر   وعلي  وعن  سعيد بن المسيب    . وعن  زيد بن ثابت    : عليها العدة ، ولها الصداق كاملا . وهذه قضايا تشتهر ، ولم يخالفهم أحد في عصرهم ، فكان إجماعا . 
وما رووه عن  ابن عباس  ، لا يصح ، قال  أحمد    : يرويه  ليث  ، وليس بالقوي ، وقد رواه  حنظلة  خلاف ما رواه  ليث ،   وحنظلة  أقوى من  ليث    . وحديث  ابن مسعود  منقطع . قاله  ابن المنذر .  ولأن التسليم المستحق وجد من جهتها ، فيستقر به البدل ، كما لو وطئها ، أو كما لو أجرت دارها ، أو باعتها وسلمتها . وأما قوله تعالى : { من قبل أن تمسوهن    } فيحتمل أنه كنى بالمسبب عن السبب ، الذي هو الخلوة ، بدليل ما ذكرناه . 
وأما قوله : { وقد أفضى بعضكم إلى بعض    } فقد حكي عن الفراء ،  أنه قال : الإفضاء الخلوة ، دخل بها أو لم يدخل . وهذا صحيح ; فإن الإفضاء مأخوذ من الفضاء ، وهو الخالي ، فكأنه قال : وقد خلا بعضكم إلى بعض . وقول  الخرقي    : حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما . يعني في حكم ما لو وطئها ، من تكميل المهر ، ووجوب العدة ، وتحريم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها ، وثبوت الرجعة له عليها في عدتها . وقال  الثوري  ،  وأبو حنيفة    : لا رجعة له عليها ، إذا أقر أنه لم يصبها . 
ولنا : قوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك    } ولأنها معتدة من نكاح صحيح ، لم ينفسخ نكاحها ،  [ ص: 192 ] ولا كمل عدد طلاقها ، ولا طلقها بعوض فكان له عليها الرجعة ، كما لو أصابها . ولها عليه نفقة العدة والسكنى ; لأن ذلك لمن لزوجها عليها الرجعة . 
ولا تثبت بها الإباحة للزوج المطلق ثلاثا ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي    : { أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟  ، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك .   } ولا الإحصان لأنه يعتبر لإيجاب الحد ، والحدود تدرأ بالشبهات ، ولا الغسل لأن موجبات الغسل خمسة وليس هذا منها . ولا يخرج به من العنة ; لأن العنة العجز عن الوطء فلا يزول إلا بحقيقة الوطء . ولا تحصل به الفيئة ، لأنها الرجوع عما حلف عليه ، وإنما حلف على ترك الوطء ، ولأن حق المرأة لا يحصل إلا بنفس الوطء . ولا تفسد به العبادات . ولا تجب به الكفارة . 
وأما تحريم الربيبة ، فعن  أحمد  أنه يحصل بالخلوة . وقال  القاضي  ،  وابن عقيل    : لا تحرم . وحمل  القاضي  كلام  أحمد  على أنه حصل مع الخلوة نظر أو مباشرة ، فيخرج كلامه على إحدى الروايتين في أن ذلك يحرم والصحيح أنها لا تحرم ; لقول الله تعالى { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم    } والدخول كناية عن الوطء ، والنص صريح في إباحتها بدونه ، فلا يجوز خلافه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					