( 5819 ) مسألة ; قال : ( ولو طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه  ، كان أيضا للسنة ، وكان تاركا للاختيار ) اختلفت الرواية عن  أحمد  في جمع الثلاث ; فروي عنه أنه غير محرم . اختاره  الخرقي    . وهو مذهب  الشافعي   وأبي ثور  ،  وداود  ، وروي ذلك عن  الحسن بن علي  ، وعبد الرحمن بن عوف ، والشعبي    {   ; لأن عويمر العجلاني  لما لاعن امرأته ، قال : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها . فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم   } . متفق عليه . ولم ينقل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم . 
وعن  عائشة    { أن امرأة رفاعة  جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن  [ ص: 281 ] رفاعة  طلقني ، فبت طلاقي   } . متفق عليه . وفي حديث  فاطمة بنت قيس  ، أن زوجها أرسل إليها بثلاث تطليقات . ولأنه طلاق جاز تفريقه ، فجاز جمعه ، كطلاق النساء . والرواية الثانية ، أن جمع الثلاث طلاق بدعة ، محرم . اختارها أبو بكر  ، وأبو حفص    . روي ذلك عن  عمر  ،  وعلي  ،  وابن مسعود  ،  وابن عباس  ،  وابن عمر    . وهو قول  مالك  ،  وأبي حنيفة  ، . قال  علي  ، رضي الله عنه : لا يطلق أحد للسنة فيندم . وفي رواية قال : يطلقها واحدة ، ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاث حيض ، فمتى شاء راجعها ، . وعن ،  عمر  رضي الله عنه أنه كان إذا أتي برجل طلق ثلاثا ، أوجعه ضربا . 
وعن مالك بن الحارث  قال : جاء رجل إلى  ابن عباس  فقال : إن عمي طلق امرأته ثلاثا . فقال : إن عمك عصى الله ، وأطاع الشيطان ، فلم يجعل الله له مخرجا ، ووجه ذلك قول الله تعالى {    : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن    } إلى قوله {    : لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا    } . ثم قال بعد ذلك {    : ومن يتق الله يجعل له مخرجا    } {    . ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا    } . ومن جمع الثلاث لم يبق له أمر يحدث ، ولا يجعل الله له مخرجا ولا من أمره يسرا . 
وروى  النسائي  ، بإسناده عن  محمود بن لبيد  قال {   : أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا ، فغضب ، ثم قال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ . حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ، ألا أقتله   } وفي حديث  ابن عمر  قال : { قلت : يا رسول الله ، أرأيت لو طلقتها ثلاثا ؟ قال : إذا عصيت ربك ، وبانت منك امرأتك   } . وروى  الدارقطني  ، بإسناده عن  علي  ، قال {   : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلق امرأته ألبتة ، فغضب ، وقال : تتخذون آيات الله هزوا ، أو لعبا ؟ من طلق ألبتة ألزمناه ثلاثا ، لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره   } . 
ولأنه تحريم للبضع بقول الزوج من غير حاجة ، فحرم كالظهار ، بل هذا أولى ; لأن الظهار يرتفع تحريمه بالتكفير ، وهذا لا سبيل للزوج إلى رفعه بحال ، ولأنه ضرر وإضرار بنفسه وبامرأته من غير حاجة ، فيدخل في عموم النهي ، وربما كان وسيلة إلى عوده إليها حراما ، أو بحيلة لا تزيل التحريم ، ووقوع الندم ، وخسارة الدنيا والآخرة ، فكان أولى بالتحريم من الطلاق في الحيض ، الذي ضرره بقاؤها في العدة أياما يسيرة ، أو الطلاق في طهر مسها فيه ، الذي ضرره احتمال الندم بظهور الحمل ; فإن ضرر جمع الثلاث يتضاعف على ذلك أضعافا كثيرة ، فالتحري ثم تنبيه على التحريم هاهنا ، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ، رواه  الأثرم  وغيره ، ولم يصح عندنا في عصرهم خلاف قولهم ، فيكون ذلك إجماعا . 
وأما حديث المتلاعنين فغير لازم ; لأن الفرقة لم تقع بالطلاق ، فإنها وقعت بمجرد لعانهما . وعند  الشافعي  بمجرد لعان الزوج ، فلا حجة فيه . ثم إن اللعان يوجب تحريما مؤبدا ، فالطلاق بعده كالطلاق بعد انفساخ النكاح بالرضاع أو غيره ، ولأن جمع الثلاث إنما حرم لما يعقبه من الندم ، ويحصل به من الضرر ، ويفوت عليه من حل نكاحها ، ولا يحصل ذلك بالطلاق بعد اللعان ، لحصوله باللعان ، وسائر الأحاديث لم يقع فيها جمع الثلاث بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مقرا عليه ، ولا حضر المطلق عند النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك لينكر عليه . على أن حديث  [ ص: 282 ]  فاطمة  ، قد جاء فيه أنه أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها ، وحديث امرأة رفاعة  جاء فيه أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات ، متفق عليه ، فلم يكن في شيء من ذلك جمع الثلاث ، ولا خلاف بين الجميع في أن الاختيار والأولى أن يطلق واحدة ، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ، إلا ما حكينا من قول من قال : إنه يطلقها في كل قرء طلقة . 
والأول أولى ; فإن في ذلك امتثالا لأمر الله سبحانه وموافقة لقول السلف    . وأمنا من الندم ، فإنه متى ندم راجعها ، فإن فاته ذلك بانقضاء عدتها ، فله نكاحها . قال  محمد بن سيرين    : إن  عليا  كرم الله وجهه قال : لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ، ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا ، يطلقها تطليقة ثم يدعها ، ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا ، فمتى شاء راجعها . رواه النجاد  بإسناده . وعن  عبد الله  قال : من أراد أن يطلق الطلاق الذي هو الطلاق ، فليمهل ، حتى إذا حاضت ثم طهرت ، طلقها تطليقة في غير جماع ، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ، ولا يطلقها ثلاثا وهي حامل ، فيجمع الله عليه نفقتها وأجر رضاعها ، ويندمه الله ، فلا يستطيع إليها سبيلا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					