[ ص: 9 ] فصل : وليس على أهل البغي أيضا ضمان ما أتلفوه حال الحرب ، من نفس ولا مال    . وبه قال  أبو حنيفة  ،  والشافعي  ، في أحد قوليه . وفي الآخر ، يضمنون ذلك ; لقول  أبي بكر  لأهل الردة : تدون قتلانا ، ولا ندي قتلاكم . ولأنها نفوس وأموال معصومة ، أتلفت بغير حق ولا ضرورة دفع مباح ; فوجب ضمانه ، كالذي تلفت في غير حال الحرب . 
ولنا ، ما روى الزهري  ، أنه قال : كانت الفتنة العظمى بين الناس وفيهم البدريون ، فأجمعوا على أن لا يقام حد على رجل ارتكب فرجا حراما بتأويل القرآن ، ولا يغرم مالا أتلفه بتأويل القرآن . ولأنها طائفة ممتنعة بالحرب ، بتأويل سائغ ، فلم تضمن ما أتلفت على الأخرى ، كأهل العدل ، ولأن تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة ، فلا يشرع ، كتضمين أهل الحرب . فأما قول  أبي بكر  رضي الله عنه فقد رجع عنه ، ولم يمضه ، فإن  عمر  قال له : أما أن يدوا قتلانا فلا ; فإن قتلانا قتلوا في سبيل الله تعالى ، على ما أمر الله . فوافقه  أبو بكر  ، ورجع إلى قوله ، فصار أيضا إجماعا حجة لنا ، ولم ينقل أنه غرم أحدا شيئا من ذلك . وقد قتل طليحة   عكاشة بن محصن  ، وثابت بن أثرم  ، ثم أسلم ، فلم يغرم شيئا . 
ثم لو وجب التغريم في حق المرتدين ، لم يلزم مثله هاهنا ، فإن أولئك كفار لا تأويل لهم ، وهؤلاء طائفة من المسلمين لهم تأويل سائغ ، فكيف يصح إلحاقهم بهم ، فأما ما أتلفه بعضهم على بعض ، في غير حال الحرب ، قبله أو بعده ، فعلى متلفه ضمانه . وبهذا قال  الشافعي  ، ولذلك لما قتل الخوارج  عبد الله بن خباب  ، أرسل إليهم  علي    : أقيدونا من عبد الله بن خباب    . ولما قتل ابن ملجم   عليا  في غير المعركة ، أقيد به . 
وهل يتحتم قتل الباغي إذا قتل أحدا من أهل العدل في غير المعركة ؟  فيه وجهان ; أحدهما ، يتحتم ; لأنه قتل بإشهار السلاح والسعي في الأرض بالفساد ، فيحتم قتله ، كقاطع الطريق . والثاني : لا يتحتم . وهو الصحيح ; لقول  علي  رضي الله عنه : إن شئت أن أعفو ، وإن شئت استقدت . فأما الخوارج  ، فالصحيح ، على ما ذكرنا ، إباحة قتلهم ، فلا قصاص على قاتل أحد منهم ، ولا ضمان عليه في ماله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					