إذا ثبت هذا ، فإنما يملك إقامة الحد بشروط أربعة    ; أحدها أن يكون جلدا كحد الزنى ، والشرب ، وحد القذف ، فأما القتل في الردة ، والقطع في السرقة ، فلا يملكها إلا الإمام . وهذا قول أكثر أهل العلم . وفيهما وجه آخر ، أن السيد يملكها . وهو ظاهر مذهب  الشافعي    ; لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : { أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم   } . وروي أن  ابن عمر  قطع عبدا سرق . وكذلك عائشة    . وعن حفصة  أنها قتلت أمة لها سحرتها . ولأن ذلك حد أشبه الجلد . وقال  القاضي    : كلام  أحمد  يقتضي أن في قطع السارق روايتين . 
ولنا ، أن الأصل تفويض الحد إلى الإمام ; لأنه حق لله تعالى ، فيفوض إلى نائبه ، كما في حق الأحرار ، ولما ذكره  [ ص: 52 ] أصحاب  أبي حنيفة  ، وإنما فوض إلى السيد الجلد خاصة ، لأنه تأديب ، والسيد يملك تأديب عبده وضربه على الذنب ، وهذا من جنسه ، وإنما افترقا في أن هذا مقدر ، والتأديب غير مقدر ، وهذا لا أثر له في منع السيد منه ، بخلاف القطع والقتل ، فإنهما إتلاف لجملته أو بعضه الصحيح ، ولا يملك السيد هذا من عبده ، ولا شيئا من جنسه ، والخبر الوارد في حد السيد عبده ، إنما جاء في الزنى خاصة ، وإنما قسنا عليه ما يشبهه من الجلد . وقوله : { أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم   } . 
إنما جاء في سياق الجلد في الزنى ، فإن أول الحديث عن  علي  قال : { أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمة لهم فجرت ، فأرسلني إليها ، فقال : اجلدها الحد . قال : فانطلقت ، فوجدتها لم تجف من دمها ، فرجعت إليه ، فقال : أفرغت ؟ . فقلت : وجدتها لم تجف من دمها . قال : إذا جفت من دمها ، فاجلدها الحد ، وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم   } . فالظاهر أنه إنما أراد ذلك الحد وشبهه . وأما فعل حفصة  ، فقد أنكره  عثمان  عليها ، وشق عليه ، وقوله أولى من قولها . وما روي عن  ابن عمر  ، فلا نعلم ثبوته عنه . الشرط الثاني : أن يختص السيد بالمملوك  ، فإن كان مشتركا بين اثنين ، أو كانت الأمة مزوجة ، أو كان المملوك مكاتبا ، أو بعضه حرا ، لم يملك السيد إقامة الحد عليه . 
وقال  مالك   والشافعي    : يملك السيد إقامة الحد على الأمة المزوجة ; لعموم الخبر ، ولأنه مختص بملكها ، وإنما يملك الزوج بعض نفعها ، فأشبهت المستأجرة . 
ولنا ، ما روي عن  ابن عمر  ، أنه قال : إذا كانت الأمة ذات زوج ، رفعت إلى السلطان ، وإن لم يكن لها زوج ، جلدها سيدها نصف ما على المحصن . ولم نعرف له مخالفا في عصره ، فكان إجماعا . ولأن نفعها مملوك لغيره مطلقا ، أشبهت المشتركة ، ولأن المشترك إنما منع من إقامة الحد عليه ، لأنه يقيمه في غير ملكه ، فإن الجزء الحر أو المملوك لغيره ، ليس بمملوك له ، وهو يقيم الحد عليه ، وهذا يشبهه ; لأن محل الحد هو محل استمتاع الزوج ، وهو بدنها فلا يملكه ، والخبر مخصوص بالمشترك ، فنقيس عليه ، والمستأجرة إجارتها مؤقتة تنقضي . 
ويحتمل أن نقول : لا يملك إقامته عليها في حال إجارتها ; لأنه ربما أفضى إلى تفويت حق المستأجر ، وكذلك الأمة المرهونة ، يخرج فيها وجهان . الشرط الثالث : أن يثبت الحد ببينة أو اعتراف  ، فإن ثبت باعتراف ، فللسيد إقامته ، إذا كان يعرف الاعتراف الذي يثبت به الحد وشروطه ، وإن ثبت ببينة ، اعتبر أن يثبت عند الحاكم ; لأن البينة تحتاج إلى البحث عن العدالة ، ومعرفة شروط سماعها ولفظها ، ولا يقوم بذلك إلا الحاكم . وقال  القاضي  يعقوب : إن كان السيد يحسن سماع البينة ، ويعرف شروط العدالة ، جاز أن يسمعها ، ويقيم الحد بها ، كما يقيمه بالإقرار . وهذا ظاهر نص  الشافعي    ; لأنها أحد ما يثبت به الحد ، فأشبهت الإقرار . ولا يقيم السيد الحد بعلمه . وهذا قول  مالك    ; لأنه لا يقيمه الإمام بعلمه ، فالسيد أولى ، فإن ولاية الإمام للحد أقوى من ولاية السيد ; لكونها متفقا عليها ، وثابتة بالإجماع ، فإذا لم يثبت الحد في حقه بالعلم ، فهاهنا أولى . 
وعن  أحمد  ، رواية أخرى ، أنه يقيمه بعلمه ; لأنه قد ثبت عنده ، فملك إقامته ، كما لو أقر به ، ويفارق الحاكم ; لأن الحاكم متهم ، ولا يملك محل إقامته ، وهذا بخلافه . الشرط الرابع ، أن يكون السيد بالغا عاقلا عالما بالحدود وكيفية إقامتها    ; لأن الصبي والمجنون ليسا من أهل الولايات ، والجاهل بالحد لا يمكنه إقامته على الوجه الشرعي ، فلا يفوض إليه . 
وفي الفاسق وجهان ; أحدهما ، لا  [ ص: 53 ] يملكه ; لأن هذه ولاية فنافاها الفسق ، كولاية التزويج . والثاني : يملكه ; لأن هذه ولاية استفادها بالملك ، فلم ينافها الفسق كبيع العبد . وإن كان مكاتبا ففيه احتمالان ; أحدهما ، لا يملكه ; لأنه ليس من أهل الولاية . والثاني : يملكه ; لأنه يستفاد بالملك ، فأشبه سائر تصرفاته . وفي المرأة أيضا احتمالان ; أحدهما ، لا تملكه ; لأنها ليست من أهل الولايات . والثاني : تملكه ; لأن فاطمة  جلدت أمة لها ، وعائشة  قطعت أمة لها سرقت ، وحفصة  قتلت أمة لها سحرتها . ولأنها مالكة تامة الملك من أهل التصرفات أشبهت الرجل . وفيه وجه ثالث ، أن الحد يفوض إلى وليها ; لأنه يزوج أمتها ومولاتها ، فملك إقامة الحد على مملوكتها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					