( 7437 ) مسألة ويقاتل أهل الكتاب  والمجوس  حتى يسلموا أو يعطوا الجزية  عن يد وهم صاغرون ، ويقاتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا . 
وجملته أن الكفار ثلاثة أقسام    ; قسم أهل كتاب  ، وهم اليهود  والنصارى  ، ومن اتخذ التوراة والإنجيل كتابا ، كالسامرة  والفرنج  ونحوهم ، فهؤلاء تقبل منهم الجزية ، ويقرون على دينهم إذا بذلوها ; لقول الله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون    } وقسم لهم شبهة كتاب ، وهم المجوس  فحكمهم حكم أهل الكتاب  ، في قبول الجزية منهم ، وإقرارهم بها ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { سنوا بهم سنة أهل الكتاب   } . 
ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذين القسمين . وقسم لا كتاب لهم ، ولا شبهة كتاب ، وهم من عدا هذين القسمين ، من عبدة الأوثان ، ومن عبد ما استحسن ، وسائر الكفار ، فلا تقبل منهم الجزية ، ولا يقبل منهم سوى الإسلام    . هذا ظاهر المذهب وهو مذهب  الشافعي    . وروي عن  أحمد  أن الجزية تقبل من جميع الكفار ، إلا عبدة الأوثان من العرب    . 
وهو مذهب  أبي حنيفة    ; لأنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق ، فيقرون ببذل الجزية ، كالمجوس    . وحكي عن  مالك  ، أنها تقبل من جميع الكفار ، إلا كفار قريش    ; لحديث بريدة  الذي في المسألة قبل هذه ، وهو عام ، ولأنهم كفار ، فأشبهوا المجوس    . ولنا ، عموم قوله تعالى : { فاقتلوا المشركين    } . 
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله   } . خص منهما أهل الكتاب بقوله تعالى : { من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون    } . والمجوس بقوله : { سنوا بهم سنة أهل الكتاب   } . فمن عداهما يبقى على مقتضى العموم ، ولأن الصحابة رضي الله عنهم ، توقفوا في أخذ الجزية من المجوس  ، ولم يأخذ  عمر  منهم الجزية ، حتى روى له  عبد الرحمن بن عوف  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { سنوا بهم سنة أهل الكتاب    } . 
وثبت عندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم { أخذ الجزية من مجوس هجر    } . وهذا يدل على أنهم لم يقبلوا الجزية ممن سواهم ، فإنهم إذا توقفوا في من له شبهة كتاب ، ففي من لا شبهة له أولى ، ثم أخذوا الجزية منهم للخبر المختص بهم ، فيدل على أنهم لم يأخذوها من غيرهم ، ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم : { سنوا بهم سنة أهل الكتاب    } . 
يدل على اختصاص أهل الكتاب ببذل الجزية  ، إذ لو كان عاما في جميع الكفار ، لم يختص أهل الكتاب  بإضافتها إليهم ، ولأنهم تغلظ كفرهم لكفرهم بالله وجميع كتبه ورسله ، ولم تكن لهم شبهة ، فلم يقروا ببذل الجزية ، كقريش  وعبدة الأوثان من العرب  ، ولأن تغليظ الكفر له أثر في تحتم القتل ، وكونه لا يقر بالجزية ، بدليل المرتد . 
وأما المجوس  ، فإن لهم شبهة كتاب ، والشبهة تقوم مقام الحقيقة فيما يبنى على الاحتياط ، فحرمت دماؤهم للشبهة ، ولم يثبت حل نسائهم وذبائحهم ; لأن الحل لا يثبت بالشبهة ، ولأن الشبهة لما اقتضت تحريم دمائهم ،  [ ص: 174 ] اقتضت تحريم ذبائحهم ونسائهم ، ليثبت التحريم في المواضع كلها ، تغليبا له على الإباحة ، ولا نسلم أنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق . 
				
						
						
