بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
في المسجد . وقال له عمه العباس : يا رسول الله ، إني أريد أن أمتدحك . فقال : قل ، لا يفضض الله فاك } .{ فأنشده :
من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق
ويروى أن أبا الدرداء قيل له : ما من أهل بيت في الأنصار ، إلا وقد قال الشعر . قال : وأنا قد قلت :
يريد المرء أن يعطى مناه ويأبى الله إلا ما أرادا يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفادا
فإن قيل : فقد قال الله تعالى : { والشعراء يتبعهم الغاوون } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه ، خير له من أن يمتلئ شعرا } . رواه أبو داود ، وأبو عبيد . وقال : معنى يريه : يأكل جوفه ، يقال : وراه يريه ، قال الشاعر
: وراهن ربي مثل ما قد ورينني وأحمي على أكبادهن المكاويا
ثم استثنى المؤمنين ، فقال : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا } . ولأن الغالب على الشعراء قلة الدين ، والكذب ، وقذف المحصنات ، وهجاء الأبرياء ، سيما من كان في ابتداء الإسلام ، ممن يهجو المسلمين ، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويعيب الإسلام ، ويمدح الكفار ، فوقع الذم على الأغلب ، واستثنى منهم من لا يفعل الخصال المذمومة ، فالآية دليل على إباحته ، ومدح أهله المتصفين بالصفات الجميلة .
وأما الخبر ; فقال أبو عبيد : معناه أن يغلب عليه الشعر حتى يشغله عن القرآن والفقه . وقيل : المراد به ما [ ص: 177 ] كان هجاء وفحشا ، فما كان من الشعر يتضمن هجو المسلمين ، والقدح في أعراضهم ، أو التشبب بامرأة بعينها ، والإفراط في وصفها ، فذكر أصحابنا أنه محرم . وهذا إن أريد به أنه محرم على قائله ، فهو صحيح ، وأما على راويه فلا يصح ; فإن المغازي تروى فيها قصائد الكفار الذين هجوا بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكر ذلك أحد .
وقد روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في الشعر الذي تقاولت به الشعراء في يوم بدر وأحد وغيرهما ، إلا قصيدة أمية بن أبي الصلت الحائية } . وكذلك يروى شعر قيس بن الخطيم ، في التشبيب بعمرة بنت رواحة ، أخت عبد الله بن رواحة ، وأم النعمان بن بشير . وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم قصيدة كعب بن زهير ، وفيها التشبيب بسعاد . ولم يزل الناس يروون أمثال هذا ، ولا ينكر .
وروينا أن النعمان بن بشير دخل مجلسا فيه رجل يغنيهم بقصيدة قيس بن الخطيم ، فلما دخل النعمان سكتوه من قبل أن فيها ذكر أمه ، فقال النعمان : دعوه ، فإنه لم يقل بأسا ، إنما قال :
وعمرة من سروات النساء تنفح بالمسك أردانها
وقد روينا أن أبا دلامة شهد عند قاض ، أظنه ابن أبي ليلى ، فخاف أن يرد شهادته . فقال :
إن الناس غطوني تغطيت عنهم وإن بحثوا عني ففيهم مباحث


