( 8475 ) مسألة ; قال : ( ومن شهد بشهادة زور  ، أدب ، وأقيم للناس في المواضع التي يشتهر أنه شاهد زور ، إذا تحقق تعمده لذلك ) وجملة ذلك أن شهادة الزور من أكبر الكبائر ، قد نهى الله عنها في كتابه ، مع نهيه عن الأوثان ، فقال تعالى : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور    } . وروي عن خريم بن فاتك  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : عدلت شهادة الزور الإشراك بالله . ثلاث مرات . ثم تلا قوله تعالى : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور    }   } . رواه أبو داود    . وروي هذا عن  ابن مسعود  ، من قوله . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ . قلنا : بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين . وكان متكئا فجلس ، فقال : ألا وقول الزور ، وشهادة الزور . فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت .   } متفق عليه . 
وروى  أبو حنيفة  ، عن  محارب بن دثار  ، عن  ابن عمر  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { شاهد الزور ، لا تزول قدماه حتى تجب له النار   } . فمتى ثبت عند الحاكم عن رجل أنه شهد بزور عمدا ، عزره ، وشهره . في قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن  عمر  رضي الله عنه . وبه يقول  شريح  والقاسم بن محمد   وسالم بن عبد الله  والأوزاعي  ،  وابن أبي ليلى  ،  ومالك   والشافعي  ، وعبد الملك بن يعلى  قاضي البصرة    . 
وقال  أبو حنيفة    : لا يعزر ، ولا يشهر ; لأنه قول منكر وزور ، فلا يعزر به ، كالظهار . وروى عنه  الطحاوي  أنه يشهر . وأنكره المتأخرون . ولنا ، أنه قول محرم يضر به الناس ، فأوجب العقوبة على قائله ، كالسب والقذف ، ويخالف الظهار من وجهين ; أحدهما ، أنه يختص بضرره . والثاني ، أنه أوجب كفارة شاقة هي أشد من التعزير ، ولأنه قول  عمر  رضي الله عنه ولم نعرف له في الصحابة مخالفا . وإذا ثبت هذا ، فإن تأديبه غير مقدور ، وإنما هو مفوض إلى رأي الحاكم ; إن رأى ذلك بالجلد جلده ، وإن رآه بحبس أو كشف رأسه وإهانته وتوبيخه ، فعل ذلك ، ولا يزيد في جلده على عشر جلدات . 
وقال  الشافعي    : لا يزيد على تسع وثلاثين ، لئلا يبلغ به أدنى الحدود . وقال  ابن أبي ليلى    : يجلد خمسة وسبعين سوطا . وهو أحد قولي  أبي يوسف  وقال الأوزاعي  ، في شاهدي الطلاق : يجلدان مائة مائة ، ويغرمان الصداق . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم {   : لا يجلد أحد فوق عشر جلدات ، إلا في حد من حدود الله تعالى   } . متفق عليه . وقال القاسم  وسالم    : يخفق سبع خفقات . وقال  شريح    : يجلد أسواطا . 
فأما شهرته بين الناس ، فإنه يوقف في سوقه إن كان من أهل السوق ، أو قبيلته إن كان من أهل القبائل ، أو في مسجده إن كان من أهل المساجد ، ويقول  [ ص: 234 ] الموكل به : إن الحاكم يقرأ عليكم السلام ، ويقول : هذا شاهد زور ، فاعرفوه . وهذا مذهب  الشافعي  وأتي  الوليد بن عبد الملك  بشاهد الزور ، فأمر بقطع لسانه ، وعنده القاسم  وسالم  ، فقالا : سبحان الله ، بحسبه أن يخفق سبع خفقات ، ويقام بعد العصر ، فيقال : هذا أبو قبيس  ، وجدناه شاهد زور . ففعل ذلك به . ولا يسخم وجهه ، ولا يركب ، ولا يكلف أن ينادي على نفسه . 
وقد روي عن  عمر  رضي الله عنه أنه يجلد أربعين جلدة ، ويسخم وجهه ، ويطال حبسه . رواه الإمام  أحمد    . 
وقال  سوار    : يلبب ، ويدار به على حلق المسجد ، فيقول : من رآني فلا يشهد بزور . وروي عن عبد الملك بن يعلى  ، قاضي البصرة  ، أنه أمر بحلق نصف رءوسهم ، وتسخيم وجوههم ، ويطاف بهم في الأسواق ، والذي شهدوا له معهم . ولنا ، أن هذا مثلة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة . 
وما روي عن  عمر  ، فقد روي عنه خلافه ، وأنه حبسه يوما وخلى سبيله . وفي الجملة ليس في هذا تقديرا شرعيا ، فما فعل الحاكم مما يراه ، ما لم يخرج إلى مخالفة نص أو معنى نص فله ذلك ، ولا يفعل به شيء من ذلك حتى يتحقق أنه شاهد زور ، وتعمد ذلك ، إما بإقراره ، أو يشهد على رجل بفعل في الشام  في وقت ، ويعلم أن المشهود عليه في ذلك الوقت في العراق ،  أو يشهد بقتل رجل ، وهو حي ، أو أن هذه البهيمة في يد هذا منذ ثلاثة أعوام . وسنها أقل من ذلك ، أو يشهد على رجل أنه فعل شيئا في وقت ، وقد مات قبل ذلك الوقت ، أو لم يولد إلا بعده ، وأشباه هذا مما يتيقن به كذبه ، ويعلم تعمده لذلك . 
فأما تعارض البينتين ، أو ظهور فسقه ، أو غلطه في شهادته ، فلا يؤدب به ; لأن الفسق لا يمنع الصدق ، والتعارض لا يعلم به كذب إحدى البينتين بعينها ، والغلط قد يعرض للصادق العدل ولا يتعمده ، فيعفى عنه ، وقد قال الله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم    } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم {   : عفي لأمتي عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه   } . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					