فصل ( ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط  أحدها أن تكون اليمين منعقدة ) لأن غير المنعقدة إما غموس أو نحوها وإما لغو ولا كفارة في واحد منهما ( وهي ) أي المنعقدة ( التي يمكن فيها البر والحنث ) لأن اليمين للحنث والمنع ( بأن يقصد عقدها على مستقبل ) لقوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان    } . 
فأوجب الكفارة في الأيمان المنعقدة ، فظاهره إرادة المستقبل من الزمان لأن العقد إنما يكون في المستقبل دون الماضي ( فلا تنعقد يمين النائم و ) لا يمين ( الصغير قبل البلوغ و ) لا يمين ( المجنون ونحوهم ) كزائل العقل بشرب دواء أو محرم مكرها لحديث { رفع القلم عن ثلاث   } . 
( و ) لا ينعقد ( ما عد من لغو اليمين ) لقوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم    } ( فأما اليمين على الماضي فليست منعقدة ) لأن شرط الانعقاد إمكان البر والحنث وذلك متعذر في الماضي ( وهي ) أي اليمين على الماضي ( نوعان غموس وهي التي يحلف بها ) على الماضي ( كاذبا عالما ) سميت غموسا لأنها ( تغمسه ) أي الحالف بها ( في الإثم ثم في النار ولا كفارة فيها ) لقول  ابن مسعود    " كنا نعد من اليمين التي لا كفارة فيها اليمين الغموس " رواه  البيهقي  بإسناد جيد . 
وهي من الكبائر للخبر الصحيح ( ويكفر كاذب في لعانه ذكره في الانتصار ) هذا مبني على وجوب الكفارة في اليمين الغموس كما في المبدع فكان الأولى حذفه ( وإن حلف على فعل مستحيل لذاته أو ) مستحيل ل ( غيره كأن قال والله لأصعدن السماء أو إن لم أصعد أو لأشربن ماء الكوز ولا ماء فيه  [ ص: 236 ] إن فيه ماء أو إن لم أشربه أو ) قال والله ( لأقتلنه ) أي زيدا مثلا ( فإذا هو ميت علمه ) ميتا ( أو لم يعلمه ونحو ذلك انعقدت يمينه ) لأنها يمين على مستقبل ( وعليه الكفارة في الحال ) لأنه مأيوس منه ( وإن قال والله إن طرت أو ) والله ( لا طرت أو ) والله إن أو لا ( صعدت السماء أو ) والله إن أو لا ( شاء الميت أو ) والله إن أو لا ( قلبت الحجر ذهبا أو ) والله إن أو لا ( جمعت بين الضدين أو ) النقيضين ( أو ) والله إن أو لا ( رددت أمس أو ) والله إن أو لا ( شربت ماء الكوز ولا ماء فيه ونحوه ) من المستحيلات ( فهذا لغو ) ولا كفارة فيه لعدم وجود المحلوف عليه . 
( وتقدم ) ذلك ( في ) باب ( الطلاق في الماضي والمستقبل ) وإن العتق والظهار ونحوها كذلك ( وإن قال والله ليفعلن فلان كذا أو ) والله ( لا يفعلن ) فلان كذا فلم يطعه ( أو حلف على حاضر فقال والله لتفعلن ) يا فلان ( كذا أو لا تفعلن كذا فلم يطعه حنث الحالف ) لعدم وجود المحلوف عليه ( والكفارة عليه ) أي الحالف في قول  ابن عمر  والأكثر و ( لا ) تجب الكفارة ( على من أحنثه ) لظاهر قوله تعالى { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان    } ( وإن قال أسألك بالله لتفعلن وأراد اليمين فكالتي قبلها ) يحنث إن لم يفعل المحلوف عليه والكفارة على الحالف ( وإن أراد الشفاعة إليه بالله ) تعالى ( فليست بيمين ) لعدم الإقسام ( ويسن إبرار القسم ) لقول  العباس  للنبي صلى الله عليه وسلم { أقسمت عليك لتبايعنه فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبررت قسم عمي   } ولا يجب لقول  أبي بكر الصديق  للنبي صلى الله عليه وسلم { أقسمت عليك لتخبرني بما أصبت مما أخطأت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقسم يا أبا بكر    } رواه أبو داود    ( ك ) ما يسن ( إجابة سؤال بالله ) قياسا على القسم به ( ولا يلزم ) ذلك . 
قال الشيخ تقي الدين    : إنما تجب على معين إجابة سائل يقسم على الناس وروى  أحمد  والترمذي  وقال حسن غريب عن  ابن عباس  مرفوعا قال { وأخبركم بشر الناس ؟ قلنا : نعم يا رسول الله قال الذي يسأل بالله ولا يعطى به   } فدل على إجابة من سأل بالله ( وإن أجابه إلى صورة ما أقسم عليه دون معناه عند تعذر المعنى ) أي المقصود ( فحسن ) لأن فيه صورة إجابة . 
( و ) النوع ( الثاني ) من نوعي الحلف على الماضي ( لغو اليمين وهو سبقها على لسانه من غير قصد كقوله : لا والله وبلى والله في عرض حديثه ) لحديث  عطاء  عن  عائشة  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته لا والله وبلى  [ ص: 237 ] والله   } رواه أبو داود  قال ورواه الزهري  وعبد الله بن سليمان  ومالك بن مسعود  عن  عطاء  عن عائشة  موقوفا وكذا رواه  البخاري    . 
وعرض الشيء بضم العين وبفتحها خلاف الطول ( وظاهره ولو ) كان قوله : لا والله وبلى والله في عرض حديثه على الشيء يفعل ( في ) الزمن ( المستقبل ) لظاهر الخبر ( ولا كفارة فيها ) لقوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم    } ( وإن عقدها على زمن خاص ماض يظن صدق نفسه ) كأن حلف ما فعل كذا يظنه لم يفعله ( فبان بخلافه حنث في طلاق وعتاق فقط وتقدم آخر تعليق الطلاق بالشروط ) بخلاف الحلف بالله أو بنذر أو ظهار لأنه من لغو الأيمان كما تقدم أول الباب ( وقال الشيخ    : وكذا عقدها على زمن مستقبل ظانا صدقه فلم يكن ) صدقه ( كمن حلف على غيره يظن أنه يطيعه فلم يفعل أو ظن المحلوف عليه خلاف نية الحالف ونحو ذلك ) كظنه خلاف سبب اليمين . 
( الشرط الثاني : أن يحلف مختارا فلا تنعقد يمين مكره ) وتقدم الشرط ( الثالث : الحنث في يمينه ) لأن من لم يحنث لم يهتك حرمة القسم ( بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله ولو معصية ) لأن الحنث الإثم ، ولا وجود له إلا بما ذكره ( مختارا ذاكرا فإن فعله مكرها أو ناسيا فلا كفارة ) لحديث { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه   } ( ويقع الطلاق والعتاق ) إذا فعل المحلوف عليه بهما ( ناسيا  وتقدم ) في تعليق الطلاق بالشروط في مسائل متفرقة ( وجاهل كناس ) فلو حلف لا يدخل دار زيد فدخلها جاهلا أنها داره حنث في طلاق وعتاق فقط بخلاف ما لو فعله مجنونا فلا يحنث مطلقا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					