1032 - مسألة : والضب حلال ، ولم ير  أبو حنيفة  أكله . وروينا من طريق الحارث عن  علي بن أبي طالب  أنه كره الضب . وعن  أبي الزبير  قال : سألت  جابر بن عبد الله  عن الضب فقال : لا تطعموه . واحتج أهل هذه المقالة بأحاديث - : منها صحيح : كالذي روينا من طريق  يحيى بن سعيد القطان  ،  وأبي معاوية الضرير  عن  الأعمش  عن  زيد بن وهب  عن عبد الرحمن بن حسنة  قال {   : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابتنا مجاعة فوجدنا ضبابا فبينما القدور تغلي بالضباب خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمة من بني إسرائيل  فقدت ، وإني أخاف أن تكون هذه هي فأكفئوها ، فألقينا بها   } . هذا لفظ  أبي معاوية  ، ولفظ يحيى  نحوه . ومنها غير صحيح : من طريق  إسماعيل بن عياش  عن ضمضم بن زرعة  عن شريح بن عبيد  عن أبي راشد الحبراني  عن عبد الرحمن بن شبل    : { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب    } . وجاءت أخبار فيها التوقف فيه - : كالذي روينا من طريق  مسلم  حدثني  محمد بن المثنى  نا ابن أبي عدي  عن  داود  عن  أبي نضرة  عن  أبي سعيد الخدري    { عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن الضب ؟ فقال عليه السلام . إن أمة من بني إسرائيل  مسخت - فلم يأمر ولم ينه   } ومثل هذا أيضا بمعناه صحيح من طريق  جابر  عن النبي صلى الله عليه وسلم .  [ ص: 113 ] ومن طريق  زيد بن وهب  عن ثابت بن يزيد  عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن طريق  شعبة  عن  الحكم بن عتيبة  عن  زيد بن وهب  عن  البراء بن عازب  عن ثابت ابن وديعة  عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن طريق  يحيى بن سعيد القطان  عن  عبيد الله بن عمر  عن  نافع  عن  ابن عمر    { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الضب : لا آمر به ، ولا أنهى عنه .   } ومن طريق  حماد بن سلمة  عن  حماد بن أبي سليمان  عن إبراهيم  عن الأسود  عن  عائشة  أم المؤمنين : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بضب فلم يأكله فقالت : يا رسول الله ألا نطعمه المساكين ؟ قال : لا تطعموهم ما لم تأكلوا   } . قال  أبو محمد    : أما هذه فلا حجة فيها ; وأما حديث عبد الرحمن بن شبل  ففيه ضعفاء ومجهولون - فسقط - وأما حديث عبد الرحمن بن حسنة  فهو حجة إلا أنه منسوخ بلا شك ، لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بإكفاء القدور بالضباب خوف أن تكون من بقايا مسخ الأمة السالفة ، هذا نص الحديث ، فإن وجدنا عنه عليه السلام ما يؤمن من هذا الظن بيقين فقد ارتفعت الكراهة أو المنع في الضب ، فنظرنا في ذلك - : فوجدنا ما رويناه من طريق  مسلم  نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه  وحجاج بن الشاعر  واللفظ له كلاهما عن  عبد الرزاق  قال : أنا  سفيان الثوري  عن  علقمة بن مرثد  عن المغيرة بن عبد الله اليشكري  عن  المعرور بن سويد  عن  عبد الله بن مسعود  قال : { قال رجل : يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا ، وإن القردة ، والخنازير كانوا قبل ذلك   } . ومن طريق  ابن أبي شيبة  عن  وكيع  عن  مسعر بن كدام  عن  علقمة بن مرثد  عن المغيرة بن عبد الله اليشكري  عن  المعرور بن سويد  عن  ابن مسعود    { أن القردة ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام : إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك   } .  [ ص: 114 ] فصح يقينا أن تلك المخافة منه عليه السلام في الضباب أن تكون مما مسخ قد ارتفعت ، وصح أن الضباب ليست مما مسخ ، ولا مما مسخ شيء في صورها - : فحلت . ثم وجدنا ما رويناه من طريق  مالك  عن ابن شهاب  عن  أبي أمامة بن سهل بن حنيف    { عن  عبد الله بن عباس  قال : دخلت أنا  وخالد بن الوليد  مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة    : فأتي بضب محنوذ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، فقلت : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ، قال  خالد    : فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر   } . فهذا نص جلي على تحليله ، وهذا هو الآخر الناسخ ، لأن  ابن عباس  بلا شك لم يجتمع قط مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة  إلا بعد انقضاء غزوة الفتح ، وحنين  ، والطائف  ، ولم يغز عليه السلام بعدها إلا تبوك  ، ولم تصبهم في تبوك  مجاعة أصلا . وصح يقينا أن خبر عبد الرحمن بن حسنة  كان قبل هذا الخبر بلا مرية فارتفع الإشكال جملة وصحت إباحته عن  عمر بن الخطاب  وغيره - : وبالله تعالى التوفيق . 
				
						
						
