1959 - مسألة : ومن طلق في نفسه  لم يلزمه الطلاق . 
برهان ذلك - : الخبر الثابت عن رسول الله { عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل   } أو كما قال عليه الصلاة والسلام فصح أن حديث النفس ساقط ما لم ينطق به . 
وكذلك العتق في النفس ، والمراجعة في النفس ، والهبة والصدقة في النفس ، والإسلام في النفس  ، كل ذلك ليس بشيء - . 
وللسلف في ذلك ثلاثة أقوال - : أحدها - كما قلنا : روينا من طريق  وكيع  عن  سفيان الثوري  عن  ابن جريج  عن  عطاء  قال : إذا طلق في نفسه فليس بشيء - . 
وبه إلى  ابن جريج  عن عمرو بن دينار  عن  أبي الشعثاء جابر بن زيد  قال : إذا طلق في نفسه فليس بشيء . 
ومن طريق  عبد الرزاق  عن  ابن جريج  عن  عطاء    : ليس طلاقه ولا عتاقه في نفسه شيئا - قال  ابن جريج    : أخبرني عمرو بن دينار  أن رجلا طلق امرأته في نفسه فانتزعت منه ؟ فقال  جابر بن زيد    : لقد ظلم . 
وروينا ذلك أيضا عن الشعبي    . 
ومن طريق  عبد الرزاق  عن  معمر  عن  قتادة  والحسن  قالا جميعا : من طلق في نفسه فليس طلاقه ذلك بشيء .  [ ص: 458 ] 
وبه يقول  أبو حنيفة  ،  والشافعي  ،  وأبو سليمان  ، وأصحابهم . 
وقول ثان - كما روينا من طريق  عبد الرزاق  عن  معمر  قال سئل عنها  ابن سيرين  فقال : أليس قد علم الله ما في نفسك ؟ قال : بلى ، قال : فلا أقول فيها شيئا - فهذا توقف . 
وقول ثالث - إنه طلاق ، روي عن الزهري  ، ورواه أشهب  عن  مالك    . 
قال  أبو محمد    : الفرض والورع أن لا يحكم حاكم ولا يفتي مفت بفراق زوجة عقد نكاحها بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بغير قرآن أو سنة ثابتة . 
واحتج من ذهب إلى هذا القول بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى   } . 
قال  أبو محمد    : وهذا الخبر حجة لنا عليهم ، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يفرد فيه النية عن العمل ، ولا العمل عن النية ، بل جمعهما جميعا ، ولم يوجب حكما بأحدهما دون الآخر - وهكذا نقول : إن من نوى الطلاق ولم يلفظ به ، أو لفظ به ولم ينوه  فليس طلاق ، إلا حتى يلفظ به وينويه ، إلا أن يخص نص شيئا من الأحكام بإلزامه بنية دون عمل ، أو بعمل دون نية ; فنقف عنده - وبالله تعالى التوفيق . 
واحتجوا أيضا - بأن قالوا : إنكم تقولون : من اعتقد الكفر بقلبه فهو كافر وإن لم يلفظ به ؟ وتقولون : إن المصر على المعاصي عاص آثم معاقب بذلك ؟ وتقولون : إن من قذف محصنة في نفسه فهو آثم ، ومن اعتقد عداوة مؤمن ظلما فهو عاص لله عز وجل - وإن لم يظهر ذلك بقول أو فعل . 
ومن أعجب بعلمه أو راءى فهو هالك ؟ قلنا : أما اعتقاد الكفر ، فإن القرآن قد جاء بذلك نصا ، قال تعالى : { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم    } فخرج هؤلاء بنصوص القرآن والسنن عما عفي عنه . 
وأيضا - فإن العفو عن حديث النفس إنما هو عن أمة محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  [ ص: 459 ] فضيلة لهم بنص الخبر ، ومن أسر الكفر فليس من أمته عليه الصلاة والسلام فهو خارج عن هذه الفضيلة .
وأما المصر على المعاصي  فليس كما ظننتم ؟ صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : { من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه   } . 
فصح أن المصر الآثم بإصراره هو الذي عمل السيئة ثم أصر عليها - فهذا جمع نية السوء والعمل السوء معا . 
وأما من قذف محصنة في نفسه  فقد نهاه الله عز وجل عن الظن السوء ، وهذا ظن سوء ، فخرج عما عفي عنه بالنص ، ولا يحل أن يقاس عليه غيره فيخالف النص الثابت في عفو الله عز وجل عن ذلك . 
وأما من اعتقد عداوة مسلم  فإن لم يضر به بعمل ولا بكلام فإنما هو بغضة والبغضة التي لا يقدر المرء على صرفها عن نفسه لا يؤاخذ بها ، فإن تعمد ذلك فهو عاص ، لأنه مأمور بموالاة المسلم ومحبته ، فتعدى ما أمره الله تعالى به ، فلذلك أثم . 
وهكذا الرياء والعجب قد صح النهي عنهما ، ولم يأت نص قط بإلزام طلاق ، أو عتاق ، أو رجعة ، أو هبة ، أو صدقة بالنفس ، لم يلفظ بشيء من ذلك ، فوجب أنه كله لغو - وبالله تعالى التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					