[ ص: 48 ] مسألة : فإن طلقت التي لم تحض قط ثم حاضت قبل تمام العدة ، سواء إثر طلاقها أو في آخر الشهر فما بين ذلك    : تمادت على العدة بالشهور ، فإذا أتمتها حلت ولم تلتفت إلى الحيض . 
وكذلك لو حملت منه أو من غيره إثر طلاقها ، أو قبل انقضاء الثلاثة الأشهر    [ فلو مات هو قبل انقضاء الثلاثة الأشهر ] ابتدأت عدة الوفاة كاملة . 
برهان ذلك - : قول الله عز وجل : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن    } فإنما أوجب الله عز وجل عليها عدة ثلاثة أشهر إثر وجوب العدة عليها من الطلاق ، فلا يبطل ما أوجبه الله تعالى عليها بدعوى لم يأت بها قط نص . 
فإن قيل : فالله تعالى قد أوجب الأقراء بقوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء    } وقال تعالى أيضا : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن    } وهذه زوجة مطلقة ؟ قلنا : إنما أوجب الله تعالى ما ذكرتم على ذوات الأقراء ، وعلى ذوات الحمل ، وهذه إذ لزمتها عدة هذا الطلاق إنما كانت بيقين من اللائي يئسن ، أو من اللائي لم يحضن ، ولم تكن أصلا من ذوات الأقراء ، ولا من ذوات الحمل . 
 [ ص: 49 ] ومن الباطل المتيقن ، والمحال الممتنع : أن يلزم الله تعالى العدة بالأقراء من لا قرء لها حين وجوب العدة عليها ، أو يلزم العدة بالحمل من ليست ذات حمل حين وجوب العدة عليها . 
كما أن من الباطل أن يحول بين وقت وجوب العدة من الطلاق ، أو الموت ، وبين العدة وقت ليس من العدة ; لقوله عليه الصلاة والسلام : { فطلقوهن لقبل عدتهن   } وقد ذكرناه قبل هذا بإسناده إلا أن يأتي بذلك نص جلي فيوقف عنده . 
وأيضا - فإن القرء إنما هو ما بين الحيضتين من الطهر ، فحالها قبل أن تحيض وبعد اليأس من المحيض ليس قرءا - فبطل أن تعتد بالأقراء من لم تطلق في استقبال قرء هي فيه ، وهي وإن كان ولدها منه لاحقا به ; لأنها زوجته بعد ؟ فقد قلنا : إن وطأه لها ليس رجعة ، ولا طلاقا فتبتدئ العدة منه . 
وقد ادعى قوم الإجماع هاهنا - وهذا باطل ; لأنهم لا يقدرون على إيراد كلمة في ذلك عن أحد الصحابة - رضي الله عنهم - إنما جاءت في ذلك آثار عن ثمانية من التابعين فقط - : وهم :  عطاء  ،  ومجاهد  ،  وسعيد بن المسيب  والزهري  ، والحسن  ،  وقتادة  ،  والنخعي  ، والشعبي    - ومثل هذا لا يعده إجماعا إلا من استجاز الكذب على الأمة . 
قال  أبو محمد    : ثم استدركنا النظر في قول الله تعالى : { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء    }  [ ص: 50 ] وقوله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن    } . 
فوجدنا المعتدة إذا حاضت في العدة فليست من اللائي يئسن من المحيض ولا من اللائي لم يحضن بلا شك ، بل هي من اللائي حضن ، فوجب ضرورة أن عدتها ثلاثة قروء - ومن الباطل أن تكون من اللائي يحضن ، وتكون عدتها الشهور . 
فصح أن حكم الاعتداد بالشهور قد بطل ، وإن كان بعض العدة . 
وصح أنها تنتقل إلى الأقراء ، أو إلى وضع الحمل إن حملت . 
وأما انتقالها إلى عدة الوفاة إن كان الطلاق رجعيا فقط ، وإلا فلا ; فلأنها زوجة ترثه ويرثها ، فهي متوفى عنها فيلزمها بالوفاة عدة الوفاة - وبالله تعالى التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					