2220 - مسألة : ومن وطئ امرأة أبيه أو حريمته ، بعقد زواج أو بغير عقد  ؟ 
قال أبو محمد    : نا حمام  نا عباس بن أصبغ  نا محمد بن عبد الملك بن أيمن  نا أحمد بن زهير  نا عبد الله بن جعفر الرقي  ، وإبراهيم بن عبد الله  ، قال الرقي    : نا عتبة بن عمرو الرقي  عن  زيد بن أبي أنيسة  عن  عدي بن ثابت  عن يزيد بن البراء بن عازب  عن أبيه ، وقال إبراهيم    : نا  هشيم  عن  أشعث بن سوار  عن  البراء بن عازب  ، ثم اتفقا - واللفظ {  لهشيم    - قال : مر بي عمي الحارث بن عمرو  وقد عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : أي عم أين بعثك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه ، فأمرني أن أضرب عنقه ؟   } 
قال  أبو محمد  رحمه الله : وهذا الخبر من طريق الرقين صحيح نقي الإسناد . 
وأما من طرق  هشيم  فليست بشيء ، لأن  أشعث بن سوار  ضعيف . 
وبه - إلى أحمد بن زهير  نا يوسف بن منازل  نا  عبد الله بن إدريس  نا خالد بن أبي كريمة    { عن  معاوية بن قرة  عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أباه - هو جد  معاوية    - إلى رجل أعرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمس ماله   } . 
قال  أحمد بن إبراهيم    : قال  يحيى بن معين    : هذا الحديث صحيح ، ومن رواه  [ ص: 200 ] فأوقفه على  معاوية  فليس بشيء ، قد كان ابن إدريس  أرسله لقوم وأسنده لآخرين . 
قال ابن معين    : ويوسف بن منازل  ثقة نا حمام  نا عباس بن أصبغ  نا محمد بن عبد الملك بن أيمن  نا  عبد الله بن أحمد بن حنبل  ،  وأبو قلابة  ، قال  أبو قلابة    : حدثنا المغيرة بن بكار  نا  شعبة  سمعت الربيع بن الركين  يقول : سمعت  عدي بن ثابت  يحدث عن {  البراء  ، قال : مر بنا ناس ينطلقون قلنا : أين تريدون ؟ قالوا : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل أتى امرأة أبيه أن نضرب عنقه ؟   } 
قال أبو محمد  رحمه الله : هذه آثار صحاح تجب بها الحجة ولا يضرها أن يكون  عدي بن ثابت  حدث به مرة عن  البراء  ، ومرة عن يزيد بن البراء  عن أبيه فقد يسمعه من  البراء  ويسمعه من يزيد بن البراء  فيحدث به مرة عن هذا ومرة عن هذا ، فهذا  سفيان بن عيينة  يفعل ذلك ، يروي الحديث عن الزهري  مرة ، وعن  معمر  عن الزهري  مرة ، قال : وقد اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : من تزوج أمه أو ابنته أو حريمته أو زنى بواحدة منهن  ، فكل ذلك سواء ، وهو كله زنى ، والزواج كله زواج إذا كان عالما بالتحريم ، وعليه حد الزنى كاملا ، ولا يلحق الولد في العقد . 
وهو قول الحسن  ،  ومالك  ،  والشافعي  ،  وأبي ثور  ،  وأبي يوسف  ،  ومحمد بن الحسن    - صاحبي  أبي حنيفة    - إلا أن  مالكا  فرق بين الوطء في ذلك بعقد النكاح ، وبين الوطء في بعض ذلك بملك اليمين ، فقال : فيمن ملك بنت أخيه ، أو بنت أخته ، وعمته ، وخالته ، وامرأة أبيه ، وامرأة ابنه بالولادة ، وأمه نفسه من الرضاعة ، وابنته من الرضاعة ، وأخته من الرضاعة وهو عارف بتحريمهن ، وعارف بقرابتهن منه ثم وطئهن كلهن عالما بما عليه في ذلك  ، فإن الولد لاحق به ، ولا حد عليه ، لكن يعاقب . 
ورأى : أن ملك أمه التي ولدته ، وابنته ، وأخته ، بأنهن حرائر ساعة يملكهن ، فإن وطئهن حد حد الزنى . 
وقال  أبو حنيفة    : لا حد عليه في ذلك كله ، ولا حد على من تزوج أمه التي ولدته ، وابنته ، وأخته ، وجدته ، وعمته ، وخالته ، وبنت أخيه ، وبنت أخته - عالما بقرابتهن منه ، عالما بتحريمهن عليه ، ووطئهن كلهن : فالولد لاحق به ، والمهر  [ ص: 201 ] واجب لهن عليه ، وليس عليه إلا التعزير دون الأربعين فقط - وهو قول  سفيان الثوري  ، قالا : فإن وطئهن بغير عقد نكاح فهو زنى ، عليه ما على الزاني من الحد . 
حدثنا حمام  نا  ابن مفرج  نا  ابن الأعرابي  نا الدبري  نا  عبد الرزاق  عن  معمر  عن  قتادة  عن  سعيد بن المسيب  أنه قال في من زنى بذات محرم    : يرجم على كل حال . وقال  إبراهيم النخعي  ، والحسن    : حده حد الزنى . 
وبه - إلى  عبد الرزاق  عن  معمر  عن  عوف - هو ابن أبي جميلة    - ني عمرو بن أبي هند  ، قال : إن رجلا أسلم وتحته أختان ، فقال له  علي بن أبي طالب    : لتفارقن إحداهما ، أو لأضربن عنقك . 
وقال  جابر بن زيد  أبو الشعثاء ،  وأحمد بن حنبل  ،  وإسحاق بن راهويه  ، كل من وطئ حريمته عالما بالتحرم عالما بقرابتها منه ، فسواء وطئها باسم نكاح ، أو بملك يمين ، أو بغير ذلك ، فإنه يقتل ولا بد - محصنا كان أو غير محصن ؟ قال  أبو محمد  رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق فنتبعه - إن شاء الله تعالى - فبدأنا بما احتج به  أبو حنيفة  ومن قلده لقوله ، فوجدناهم يقولون : إن اسم " الزنى " غير اسم " النكاح " فواجب أن يكون له غير حكمه . 
فإذا قلتم : زنى بأمه - فعليه ما على الزاني ؟ وإذا قلتم : تزوج أمه ، فالزواج غير الزنى فلا حد في ذلك ، وإنما هو نكاح فاسد ، فحكمه حكم النكاح الفاسد ، من سقوط الحد ، ولحاق الولد ، ووجوب المهر - وما نعلم لهم تمويها غير هذا ، وهو كلام فاسد ، واحتجاج فاسد ، وعمل غير صالح : وأما قوله " إن اسم الزنى غير اسم الزواج " فحق لا شك فيه ، إلا أن الزواج هو الذي أمر الله تعالى به وأباحه - وهو الحلال الطيب والعمل المبارك . 
وأما كل عقد أو وطء لم يأمر الله تعالى به ، ولا أباحه بل نهى عنه ، فهو الباطل والحرام والمعصية والضلال - ومن سمى ذلك زواجا فهو كاذب آفك متعد ، وليست  [ ص: 202 ] التسمية في الشريعة إلينا - ولا كرامة - إنما هي إلى الله تعالى قال الله عز وجل { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان    } قال  أبو محمد  رحمه الله : أما من سمى كل عقد فاسد ووطء فاسد - وهو الزنى المحض - زواجا ، ليتوصل به إلى إباحة ما حرم الله تعالى ، أو إلى إسقاط حدود الله تعالى ، إلا كمن سمى الخنزير : كبشا ، ليستحله بذلك الاسم ، وكمن سمى الخمر : نبيذا ، أو طلاء ، ليستحلها بذلك الاسم ، وكمن سمى البيعة والكنيسة : مسجدا ، وكمن سمى اليهودية : إسلاما - وهذا هو الانسلاخ من الإسلام ونقض عقد الشريعة ، وليس في المحال أكثر من قول القائل : هذا نكاح فاسد ، وهذا ملك فاسد ، لأن هذا كلام ينقض بعضه بعضا ، ولئن كان نكاحا أو ملكا فإنه لصحيح حلال ، لأن الله تعالى أحل الزواج ، والملك . 
وقال تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم    } فما كان زواجا وملك يمين فهو حلال ، طلق ، ومباح ، طيب ، ولا ملامة فيه ، ولا مأثم ، وكل ما كان فيه اللوم والإثم فليس زواجا ، ولا ملكا مباحا للوطء - ولا كرامة - بل هو العدوان والزنى المجرد ، لا شيء إلا فراش ، أو عهر حرام ، فإن وجد لنا يوما ما أن نقول : نكاح فاسد ، أو زواج فاسد ، أو ملك فاسد ، فإنما هو حكاية أقوال لهم ، وكلام على معانيهم . 
كما قال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها    } 
وكما قال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم    } و { الله يستهزئ بهم    } وقد علم المسلمون أن الجزاء ليس بسيئة ، وأن القصاص ليس عدوانا ، وأن معارضة الله تعالى على الاستهزاء ليس مذموما ، بل هو حق . 
فصح من هذا أن كل عقد لم يأمر به الله تعالى فمن عقده فهو باطل - وإن وطئ فيه ، فإن كان عالما بالتحريم ، عالما بالسبب المحرم : فهو زان مطلق . 
وهكذا القول فيمن نكح نكاح متعة : أو شغار ، أو موهوبة ، أو على شرط ليس في كتاب الله تعالى ، أو بصداق : لا يحل  ، من جهل التحريم في شيء من ذلك ، بأن لم تبلغه ، أو بتأويل لم تقم عليه الحجة ، في فساده ، فهو معذور ، لا حد عليه ، ومن قذفه فعليه الحد . 
 [ ص: 203 ] كمن دخل بلدا فتزوج امرأة لا يعرفها ، فوجدها أمه أو ابنته    : فهذا يلحق فيه الولد ، ولا يحد فيه حد بالإجماع - وبهذا بطل قول  أبي حنيفة  المذكور ، وقول  مالك  الذي وصفنا في وطء الحريمة بملك اليمين . 
والعجب كل العجب من احتجاج بعض من لقيناه من المالكيين بقوله تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم    } ؟ قيل لهم : إن كنتم تعلقتم بهذه الآية في إلحاق الولد بمن وطئ عمته ، وخالته ، وذوات محارمه ، فإنها من ملك اليمين : فأبيحوا الوطء المذكور ، وأسقطوا عنه الملامة جملة - فهذا هو نص الآية ، فلو فعلوا ذلك لكفروا بلا خلاف من أحد - وإذ لم يفعلوا ذلك ، ولا أسقطوا الملامة ، ولا أباحوا له ذلك قد ظهر تمويههم في إيراد هذه الآية في غير موضعها ؟ قال  أبو محمد  رحمه الله : فإن قال قائل : فأنتم تقولون " إن المملوكة الكتابية لا يحل وطؤها وإن وطئها فلا حد عليه والولد لاحق " فما الفرق بين هذا وبين من وطئ أحدا من ذوات محارمه التي ذكرنا فأوجبتم في كل هذا حد الزنى ، ولم تلحقوا الولد ؟ 
قلنا : إن الفرق في ذلك : هو أن الله تعالى أباح ملك اليمين جملة ، وحرم ذوات المحارم بالنسب ، والرضاع ، والصهر ، والمحصنات من النساء ، تحريما واحدا مستويا : فحرمت أعيانهن كلهن تحريما واحدا ، ولم يحل منهن لمس ، ولا رؤية عرية ، ولا تلذذ أصلا ، لأنهن محرمات الأعيان . 
وقال تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن    } فإنما حرم فيهن النكاح فقط ، والنكاح ليس إلا عقد الزواج ، أما الوطء فقط ، فإذا ملكناهن فلم تحرم علينا أعيانهن ، إذ لا نص في ذلك ، ولا إجماع ، وإنما حرم وطؤهن فقط ، وبقي سائر ذلك على التحليل بملك اليمين : كالمملوكة ، والحائض ، والمحرمة ، والصائمة فرضا ، والمعتكفة فرضا ، والحامل من غير السيد ، ولا فرق . 
فلما لم يكن في واحدة من هؤلاء محرمة العين كن فراشا في غير الوطء ، فكان الوطء - وإن كان حراما - فهو في فراش لم يحرم فيه إلا الوطء فقط وكل وطء في غير  [ ص: 204 ] محرم العين فليس عهرا ، ولا زنى ، وإنما العهر : ما كان في محرمة العين فقط - وبالله تعالى التوفيق . 
قال : ثم نظرنا فيمن أوجب الحد في وطء الأم بعقد النكاح  كحد الزنى بغيرها من الأجنبيات ، وقول من أوجب في ذلك القتل - أحصن أو لم يحصن - فوجدنا الخبر في قتل من أعرس بامرأة أبيه ثابتا والحجة به قائمة ، فوجب الحكم به ، ولم يسع أحدا الخروج عنه . 
فكان من قول المخالف في ذلك أن قالوا : قد يمكن أن يكون ذلك الذي أعرس بامرأة أبيه قد فعل ذلك مستحلا له ، فإن كان هذا فنحن لا نخالفكم في ذلك ؟ 
فقلنا لهم : إن هذه الزيادة ممن زادها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد ، وعلى من روى ذلك من الصحابة - رضي الله عنهم - ولو كان ذلك لقال الراوي : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل ارتد فاستحل امرأة أبيه ، فقتلناه على الردة ، فإذا لم يقل ذلك الراوي ، فهو كذب مجرد ، فهذه الزيادة ظن ما ليس فيه . 
فصح من وطئ امرأة أبيه بعقد سماه نكاحا - أو بغير عقد كما جاءت ألفاظ الحديث المذكور - فقتله واجب ولا بد ، وتخميس ماله فرض ، ويكون الباقي لورثته - إن كان لم يرتد - أو للمسلمين ، إن كان ارتد . 
فإن قالوا : لم نجد مثل هذا في الأصول ؟ قلنا لهم : لا أصل عندنا إلا القرآن ، والسنة ، والإجماع ، فهذا الخبر أصل في نفسه - ولكن أخبرونا : في أي الأصول وجدتم أن من تزوج أمه - وهو يدري أنها أمه - أو ابنته - وهو يدري أنها ابنته أو أخته - أو إحدى ذوات محارمه - وهو يدري عالم بالتحريم في كل ذلك : فوطئهن  فلا حد عليه ، والمهر واجب لهن عليه ، والولد لاحق به ، فما ندري هذا إلا في غير الإسلام . قال  أبو محمد  رحمه الله : وأما نحن فلا يجوز أن نتعدى حدود الله فيما وردت به ، فنقول : إن من وقع على امرأة أبيه - بعقد أو بغير عقد أو عقد عليها باسم نكاح وإن لم يدخل بها - فإنه يقتل ولا بد - محصنا كان أو غير محصن - ويخمس ماله ، وسواء أمه كانت أو غير أمه ، دخل بها أبوه أو لم يدخل بها . 
 [ ص: 205 ] وأما من وقع على غير امرأة أبيه من سائر ذوات محارمه    - كأمه التي ولدته من زنى أو بعقد باسم نكاح فاسد مع أبيه - فهي أمه وليست امرأة أبيه ، أو أخته ، أو ابنته ، أو عمته ، أو خالته أو واحدة من ذوات محارمه بصهر ، أو رضاع - فسواء كان ذلك بعقد أو بغير عقد : هو زان ، وعليه الحد فقط ، وإن أحصن عليه الجلد والرجم كسائر الأجنبيات لأنه زنى ، وأما الجاهل في كل ذلك فلا شيء عليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					