338 - مسألة : الشفق ، والفجر    . 
قال  علي    - : الفجر : فجران - والشفق : شفقان . والفجر الأول : هو المستطيل المستدق صاعدا في الفلك كذنب السرحان ،  [ ص: 224 ] وتحدث بعده ظلمة في الأفق - : لا يحرم الأكل ولا الشرب على الصائم ; ولا يدخل به وقت صلاة الصبح - : هذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة كلها . والآخر : هو البياض الذي يأخذ في عرض السماء في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس في كل زمان ، ينتقل بانتقالها ، وهو مقدمة ضوئها ، ويزداد بياضه ; وربما كان فيه توريد بحمرة بديعة ، وبتبينه يدخل وقت الصوم ووقت الأذان لصلاة الصبح ووقت صلاتها . فأما دخول وقت الصلاة بتبينه ؟ فلا خلاف فيه من أحد من الأمة وأما الشفقان : فأحدهما الحمرة - والثاني : البياض ، فوقت المغرب عند  ابن أبي ليلى  ،  وسفيان الثوري  ،  ومالك  ،  والشافعي  ،  وأبي يوسف  ،  ومحمد بن الحسن  ،  والحسن بن حي  ،  وداود  وغيرهم - : يخرج ويدخل وقت صلاة العتمة بمغيب الحمرة ؟ وهو قول  أحمد بن حنبل  وإسحاق    . 
إلا أن  أحمد  قال : يستحب - في الحضر خاصة دون السفر - : أن لا يصلي إلا إذا غاب البياض ; ليكون على يقين من مغيب الحمرة فقد تواريها الجدران وقال  أبو حنيفة  ،  وعبد الله بن المبارك  ،  والمزني  ،  وأبو ثور    : لا يخرج وقت المغرب ولا يدخل وقت العتمة إلا بمغيب البياض ؟ قال  علي    : قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد خروج وقت المغرب ، ودخول وقت العتمة بمغيب نور الشفق ; والشفق : يقع في اللغة على الحمرة ، وعلى البياض . 
فإذ ذلك كذلك ; فلا يجوز أن يخص قوله عليه السلام بغير نص ولا إجماع ; فوجب أنه إذا غاب ما يسمى شفقا فقد خرج وقت المغرب ، ودخل وقت العتمة ولم يقل عليه السلام قط : حتى يغيب كل ما يسمى شفقا ؟ . 
 [ ص: 225 ] وبرهان قاطع ; وهو : أنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد وقت العتمة بأن : أوله إذا غاب الشفق ، وآخره : ثلث الليل الأول ، وروي أيضا : نصف الليل . 
وقد علم كل من له علم بالمطالع ، والمغارب ، ودوران الشمس : أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول ; وهو الذي حد عليه السلام خروج أكثر الوقت فيه ، فصح يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين ، فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق ، الذي هو البياض بلا شك فإذ ذلك كذلك فلا قول أصلا إلا أنه : الحمرة بيقين ; إذ قد بطل كونه : البياض . 
واحتج من قلد  أبا حنيفة  بأن قال : إذا صلينا عند غروب البياض فنحن على يقين - بإجماع - أننا قد صلينا عند الوقت ، وإن صلينا قبل ذلك ، فلم نصل بيقين إجماع في الوقت ؟ قال  علي    : هذا ليس شيئا ; لأنه إن التزموه ؟ أبطل عليهم جمهور مذهبهم فيقال : مثل هذا في الوضوء بالنبيذ ، وفي الاستنشاق ، والاستنثار ، وقراءة أم القرآن ، والطمأنينة ، وكل ما اختلف فيه مما يبطل الصوم والحج ، ومما تجب فيه الزكاة ؟ فيلزمهم أن لا يؤدوا عملا من الشريعة إلا حتى لا يختلف اثنان في أنهم قد أدوه كما أمروا . 
ومع هذا لا يصح لهم من مذهبهم جزء من مائة جزء بلا شك وذكروا حديث  النعمان بن بشير    : { أنه عليه السلام كان يصلي العتمة لسقوط القمر ليلة ثالثة   } . 
ولو كان لكان أعظم حجة لنا ; لأن الشفق الأبيض يبقى بعد هذه مدة طويلة بلا خلاف ، واحتج بعضهم بالأثر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء الآخرة إذا اسود الليل   } وبقاء البياض يمنع من سواد الأفق . 
قال  علي    : وهذا خطأ ; لأنه يصلي العتمة مع بياض القمر ، وهو أمنع من سواد  [ ص: 226 ] الأفق على أصولهم : من البياض الباقي بعد الحمرة ، الذي لا يمنع من سواد الأفق ; لقلته ودقته ؟ . 
وذكروا حديث  النعمان بن بشير    : { أنه عليه السلام كان يصلي العتمة لسقوط ليلة ثالثة   } ، وهذا لا حجة لهم فيه ; لأننا لا نمنع من ذلك ، ولا من تأخيرها إلى نصف الليل ، بل هو أفضل ; وليس في هذا المنع من دخول وقتها قبل ذلك ؟ وذكروا حديثا ساقطا موضوعا ، فيه { أنه عليه السلام صلى العتمة قبل غروب الشفق   } . 
وهذا لو صح - ومعاذ الله من ذلك - لما كان فيه إلا جواز الصلاة قبل وقتها ; وهو خلاف قولهم وقولنا وذكروا عن ثعلب    : أن الشفق : البياض قال  علي    : لسنا ننكر أن الشفق : البياض ، والشفق : الحمرة ; وليس ثعلب  حجة في الشريعة إلا في نقله ; فهو ثقة ، وأما في رأيه فلا ؟ وأظرف ذلك احتجاج بعضهم : بأن الشفق : مشتق من الشفقة ، وهي الرقة ; ويقال : ثوب شفيق إذا كان رقيقا . 
قالوا : والبياض أحق بهذا ; لأنها أجزاء رقيقة تبقى بعد الحمرة قال  علي    : وهذا هوس ناهيك به فإن قيل لهم : بل الحمرة أولى به ; لأنها تتولد عن الإشفاق والحياء ، وكل هذا تخليط هو في الهزل أدخل منه في الجد ؟ وقال بعضهم : لما كان وقت صلاة الفجر يدخل بالفجر الثاني : وجب أن يدخل وقت صلاة العتمة بالشفق الثاني ؟ فعورضوا بأنه لما كان الفجر فجرين ، وكان دخول وقت صلاة الفجر يدخل  [ ص: 227 ] بالفجر الذي معه الحمرة : - وجب أن يكون دخول وقت العتمة بالشفق الذي معه الحمرة . 
وقالوا أيضا : لما كانت الحمرة التي هي مقدمة طلوع الشمس لا تأثير لها في خروج وقت صلاة الفجر - : وجب أن يكون أيضا لا تأثير لها في خروج وقت المغرب ؟ فعورضوا بأنه لما كانت الطوالع : ثلاثة ، والغوارب ثلاثة ، وكان الحكم في دخول وقت صلاة الصبح للأوسط من الطوالع وجب أن يكون الحكم في دخول صلاة العتمة للأوسط من الغوارب وهذه كلها تخاليط ودعاوى فاسدة متكاذبة ; وإنما أوردناها ليعلم من أنعم الله تعالى عليه بأن هداه لإبطال القياس في الدين - : عظيم نعمة الله تعالى عليه في ذلك ; وليتبصر من غلط فقال به - وما توفيقنا إلا بالله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					