وعن  ابن عباس  رضي الله عنهما أنه سئل عن الكلب يقتل الصيد  فقال : كل ، وإن أكل الكلب منه فلا تأكل ، فإنه  [ ص: 223 ] أمسك على نفسه ; لأنه يضرب حتى يترك الأكل ، وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله قالوا : الكلب إذا أكل من الصيد الذي أخذه يحرم تناوله ، وقال  مالك  رحمه الله تعالى لا يحرم ، وهو أحد قولي  الشافعي  رضي الله تعالى عنه لحديث  أبي ثعلبة الخشني  أن النبي صلى الله عليه وسلم { قال في صيد الكلب : كل وإن أكل الكلب منه   } ، ولأنه تناول اللحم دون الصيد ; لأنه يقتل الصيد أولا فيخرج من أن يكون صيدا وتناول الكلب من لحم الصيد  لا يحرم ما بقي منه على صاحبه ، كما لو فتش في مخلاة صاحبه وتناول شيئا من القديد من لحم الصيد ، وحجتنا في ذلك قوله تعالى : { فكلوا مما أمسكن عليكم    } وحين أكل منه فقد تبين أنه أمسكه على نفسه لا على صاحبه حين لا يتركه حتى يشبع منه ، وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله  لعدي بن حاتم  رضي الله عنه ، { فإن أكل منه فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه   } وتأويل حديث  أبي ثعلبة الخشني  رضي الله عنه إن صح أنه كان قبل نزول الآية ثم انتسخ أو مراده إذا ولغ في دم الصيد ، وعندنا ذلك القدر لا يحرم ، ثم قد بينا أن ثبوت الحل بفعله باعتبار أنه نائب عن صاحبه ، وينعدم ذلك إذا أكل منه ; لأنه تبين أن سعيه كان لمنفعة نفسه فهو كما لو انعدم الإرسال أصلا . 
( ثم ) ذكر عن  ابن عباس  رضي الله عنهما في البازي يقتل الصيد ويأكل منه  قال : كل ، وقال : تعليم البازي أن تدعوه فيجيبك ، ولا تستطيع أن تضربه حتى يترك الأكل وبه نأخذ ، وفي أحد قولي  الشافعي  رحمه الله تعالى البازي والكلب إذا أكل من الصيد لا يحل لما بينا أنه يمسك على نفسه ، وليس بنائب عن صاحبه ، ولكن الفرق بينهما  عندنا على وجهين : 
( أحدهما ) أن جثة الكلب تحتمل الضرب فيمكن أن يضرب ليدع الأكل ، وجثة البازي لا تحتمل الضرب ، وقد بينا أن التكليف بحسب الوسع . ( والثاني ) أن الكلب ألوف ، وعلامته علمه أن يأتي بما يكون مخالفا لطبعه ، وإجابته صاحبه إذا دعاه غير مخالف لطبعه ، فلا يكون دليلا على علمه . بل يكون علامة علمه ترك الأكل عند حاجته إليه ; لأن ذلك خلاف طبعه ، فإذا أكل منه لم يكن معلما ، والشرط في صيد الكلب أن يكون معلما ، والبازي منفر فأجابته صاحبه إذا دعاه خلاف طبعه فيجعل ذلك علامة علمه دون ترك الأكل ، فهو وإن أكل منه ، فلا يتبين به أنه غير معلم ، ولكن هذا الفرق لا يتأتى في الفهد والنمر ، فإنه مستوحش كالبازي ، ثم الحكم فيه وفي الكلب سواء فالمعتمد هو الأول . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					