، وعن  علي  رضي الله عنه قال : ذكاة السمك والجراد  أخذه ، ومراده بيان أن الذكاة ليست بشرط فيهما بل يثبت الحل فيهما بالأخذ من غير ذكاة ، ألا ترى أنه لا تثبت الحرمة بكون الآخذ مجوسيا أو وثنيا ، وما يشترط فيه الذكاة يشترط فيه الأهلية للمذكي ، وحيث لم يشترط في السمك والجراد عرفنا أن الذكاة فيهما ليست بشرط ، كما قال صلى الله عليه وسلم : { أحلت لنا ميتتان ودمان   } ، وسئل  علي  رضي الله عنه عن الجراد يأخذه الرجل من الأرض وفيه الميت وغيره قال : كله كله ، وفي بعض الروايات كله كله فاللفظ الأول تكرار للمبالغة ، والثاني بيان أنه يؤكل كله وبه نأخذ ، وأن الجراد وإن وجد ميتا فلا بأس بأكله ; لأن موته لا بد أن يكون بسبب ، فإنه بحري الأصل بري المعاش ، كما قيل : إن بيض السمك إذا انحصر عنه الماء يصير جرادا ، فإذا مات في البر فقد مات في غير موضع أصله ، وإذا مات في الماء فقد مات في غير موضع معاشه ، وذلك سبب لموته ، والدليل على إباحة أكل الجراد ما روي أن مريم  رضي الله عنها سألت لحما هشا فرزقت الجراد ، وأن  عمر  رضي الله عنه كان مولعا بأكل الجراد حتى قال يوما في مجلسه : ليت لنا قصعة من جراد فنأكله ، أو قال : نقعة . 
( وعن ) عمرة  قالت : خرجت مع وليدة لنا فاشترينا خريتة بقفيز من حنطة فوضعناها في زنبيل فخرج رأسها من جانب ، وذنبها من جانب فمر بنا  علي  رضي الله عنه فقال لي : بكم أخذت فأخبرته فقال : ما أطيبه وأرخصه وأوسعه للعيال ففي هذا الحديث دليل على أن الجراد مأكول وبه نأخذ ، وهو مروي عن  ابن عباس  رضي الله عنهما ، فإنه سئل عن الخريت فقال : فأما نحن ، فلا نرى به بأسا ، فأما أهل الكتاب   [ ص: 230 ] فيكرهونه ، وأما الروافض  قاتلهم الله تعالى فيأخذون بقول أهل الكتاب  ، ويحرمون الخريت ، ويدعون قول  علي  رضي الله عنه مع دعواهم محبته ، وأهل الكتاب يزعمون أن الخريت من جملة الممسوخات ، وهذا باطل ، فإن الممسوخ لا نسل له ، ولا يبقى بعد ثلاثة أيام بل الخريت نوع من السمك ، والسمك مأكول بجميع أنواعه يثبت الحل فيه بالكتاب والسنة قال الله تعالى : { أحل لكم صيد البحر    } وقال صلى الله عليه وسلم : { أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال   } فهذا دليل أنه لا بأس للإنسان أن يتكلم مع النساء والإماء بما لا يحتاج إليه ، فإن هذا ليس من جملة ما لا يعنيه ، فإنما الذي لا يعني المرء مما ورد النهي عنه أن يكون فيه مأثم . 
( وعن )  إبراهيم  رحمه الله قال ما أطيب إهابه وهو كذلك ، وقد قيل : إن أطيب الأشياء من السمك الذنب ، وعن  ابن عباس  رضي الله تعالى عنهما أنه أتاه عبد أسود فقال : إنني في غنم لأهلي ، وإني سليل الطريق فأسقي من لبنها بغير إذنهم ، فقال : لا ، فقال : إني أرمي الصيد فأصمي وأنمي قال : كل ما أصميت ودع ما أنميت . قال  أبو يوسف   ومحمد  رحمهما الله تعالى : الإصماء ما رأيته ، والإنماء ما توارى عنك ، وبه نأخذ ، إلا أن المراد به إذا توارى عنه ، وقعد في طلبه ، فإذا لم يقعد عن طلبه لا يحرم لما بينا أن ما لا يستطاع بالامتناع عنه يكون عفوا ، وفي الحديث دليل أنه ليس للراعي أن يسقي من لبن الغنم بغير إذن أهلها ، فإن  ابن عباس  رضي الله تعالى عنهما نهاه عن ذلك ، وهذا لأن الراعي أمر بالرعي والحفظ والسقي ومن لبنها بمنزلة هبة عنها ، ولا يجوز له ذلك بدون إذن أهلها ، والذي جاء في الحديث أن { النبي صلى الله عليه وسلم مر براعي الغنم فاستسقاه اللبن   } تأويله أن ذلك الراعي كان يرعى غنم نفسه أو كان مأذونا من جهة مالكه بذلك ، وقد عرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم { لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه   } . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					