" باب الصرف في دار الحرب " قال - رحمه الله - : ذكر عن مكحول  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا ربا بين المسلمين ، وبين أهل دار الحرب في دار الحرب   } ، وهذا الحديث ، وإن كان مرسلا فمكحول  فقيه ثقة ، والمرسل من مثله مقبول ، وهو دليل  لأبي حنيفة   ومحمد    - رحمهما الله - في جواز بيع المسلم الدرهم بالدرهمين من الحربي في دار الحرب ،  ، وعند  أبي يوسف   والشافعي    - رحمهما الله - لا يجوز ، وكذلك لو باعهم ميتة ، أو قامرهم ، وأخذ منهم مالا بالقمار  ، فذلك المال طيب له عند  أبي حنيفة   ومحمد    - رحمهما الله - خلافا  لأبي يوسف   والشافعي    - رحمهما الله - ، وحجتهما حديث  ابن عباس  رضي الله عنهما أنه وقع للمشركين جيفة في الخندق  فأعطوا بذلك للمسلمين مالا فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 57 ] عن ذلك ، ولا معنى لقول من يقول : كان موضع الخندق  من دار الإسلام ; لأنا نقول : عندكم هذا يجوز بين المسلم ، والحربي الذي لا أمان له سواء كان في دار الإسلام ، أو في دار الحرب ، والمعنى فيه : أن المسلم من أهل دار الإسلام فهو ممنوع من الربا بحكم الإسلام حيث كان ، ولا يجوز أن يحمل فعله على أخذ مال الكافر بطيبة نفسه ; لأنه قد أخذه بحكم العقد ; ولأن الكافر غير راض بأخذ هذا المال منه إلا بطريق العقد منه ، ولو جاز هذا في دار الحرب ، لجاز مثله في دار الإسلام بين المسلمين ، على أن يجعل الدرهم بالدرهم والدرهم الآخر هبة ، وحجتنا في ذلك ما روينا ، وما ذكر عن ابن عباس  رضي الله عنه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : { كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع ، وأول ربا يوضع ربا  العباس بن عبد المطلب    } ، وهذا ; لأن  العباس  رضي الله عنه بعد ما أسلم رجع إلى مكة  ، وكان يربي ، وكان يخفي فعله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما لم ينهه عنه دل أن ذلك جائز ، وإنما جعل الموضوع من ذلك ما لم يقبض حتى جاء الفتح ، وبه نقول 
وفيه نزل قوله تعالى : { ، وذروا ما بقي من الربا    } قال  محمد    : وبلغنا { أن  أبا بكر الصديق  رضي الله عنه قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى { الم غلبت الروم    } قال له مشركو قريش    : يرون أن الروم  تغلب فارس  فقال نعم ، فقالوا : هل لك أن تخاطرنا على أن نضع بيننا وبينك خطرا ، فإن غلبت الروم  أخذت خطرنا ، وإن غلبت فارس  أخذنا خطرك فخاطرهم أبو بكر  رضي الله عنه على ذلك ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال : اذهب إليهم فزد في الخطر ، وأبعد في الأجل ، ففعل أبو بكر  رضي الله عنه وظهرت الروم  على فارس  ، فبعث إلى أبي بكر  رضي الله عنه أن تعال فخذ خطرك ، فذهب ، وأخذه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم به فأمره بأكله ، وهذا القمار لا يحل بين أهل الإسلام ، وقد أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر  رضي الله عنه ، وهو مسلم ، وبين مشركي قريش    ; لأنه كان بمكة  في دار الشرك ، حيث لا يجري أحكام المسلمين ،   } { ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركانة  بأعلى مكة  فقال له ركانة :  هل لك أن تصارعني على ثلث غنمي فقال : صلى الله عليه وسلم نعم ، وصارعه فصرعه ،   } الحديث . إلى أن أخذ منه جميع غنمه ، ثم ردها عليه تكرما ، وهذا دليل على جواز مثله في دار الحرب بين المسلم والحربي ، وهذا ; لأن مال الحربي مباح ، ولكن المسلم بالاستئمان ضمن لهم أن لا يخونهم ، وأن لا يأخذ منهم شيئا إلا بطيبة أنفسهم ، فهو يتحرز عن الغدر بهذه الأسباب ، ثم يتملك المال عليهم بالأخذ لا بهذه الأسباب ، وهذا ; لأن فعل المسلم يجب حمله على أحسن  [ ص: 58 ] الوجوه ما أمكن ، وأحسن الوجوه ما قلنا . والعراقيون  يعبرون عن هذا الكلام ، ويقولون حل لنا دماؤهم طلق لنا أموالهم فما عدا عذر الأمان يضرب سبعا في ثمان ، وتأويل حديث  ابن عباس  أنه نهاهم عن ذلك لما رأى فيه من الكبت ، والغيظ للمشركين ، ولئلا يظنوا بنا أنا نقاتلهم لطمع المال . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					