والخطأ نوعان : أحدهما : أن يقصد الرمي إلى صيد أو هدف أو كافر فيصيب مسلما  فهذا خطأ من حيث إنه انعدم منه القصد إلى المحل الذي أصاب والثاني : أن يرمي شخصا يظنه حربيا فإذا هو مسلم أو يظنه صيدا فإذا هو مسلم  فهذا خطأ باعتبار ما في قصده ، وإن كان هو قاصدا إلى المحل الذي أصابه 
وحكم  [ ص: 67 ] الخطأ  أنه لا يجب فيه القصاص ; لأن الخطأ موضوع عنا رحمة من الشرع قال الله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به    } وقال : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا    } وقال عليه السلام : { رفع عن أمتي الخطأ ، والنسيان وما استكرهوا عليه .   } 
فإذا تعذر إيجاب القصاص  وجبت الدية بالنص قال الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله    } وبينا المعنى فيه ; لصيانة دم المقتول عن الهدر فاستحقاق صيانة نفسه لا يسقط بعذر الخاطئ ، ومن موجبه الكفارة فإنها تثبت بهذا النص أيضا ، والمعنى فيه معقول فإن القتل أمر عظيم قل ما يبتلى به المرء من غير قصد ما لم يكن به تهاون في التحرز ، وعلى كل أحد المبالغة في التحرز لكي لا يبتلى بمثل هذا الأمر العظيم ، فإذا ترك ذلك كان هو ملتزما بترك التحرز فنوجب عليه الكفارة جزاء على ذلك ; ولأن مثل هذا الأمر العظيم لا يبتلى به المرء إلا بنوع خذلان ، وهذا الخذلان لا يكون إلا عن ذنوب سبقت منه ، والحسنة تذهب السيئة قال الله تعالى { إن الحسنات يذهبن السيئات    } فنوجب عليه الكفارة ; لتكون ماحية للذنوب السابقة ، فلا يبتلى بمثل هذا الأمر العظيم بعدها ، وفي سيئة العمد معنى إيجاب الكفارة أظهر لما يلحقه من المأثم بالقصد إلى أصل الفعل . 
وفيه حديث  واثلة بن الأسقع  حيث قال : { أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا قد أوجب النار بالقتل فقال عليه السلام أعتقوا عنه رقبة يعتق الله تعالى بكل عضو عضوا منه من النار   } ، وإيجاب النار لا يكون إلا بالإقدام على قتل محرم ، وقد قامت الدلالة على أن الكفارة لا تجب في العمد المحض فعرفنا : أن المراد شبه العمد ثم قال  الشافعي    : المعنى في وجوب الكفارة بالقتل  أنه نقص من عدد المسلمين أحدهم ممن كان يحضر الجمع ، والجماعات فعليه إقامة نفس مقام ما أتلف ، ولا يمكنه ذلك إحياء فعليه إقامة مقام النفس المتلفة تحريرا ; لأن الحرية حياة ، والرق تلف . 
وبهذا أوجب الكفارة على العامد ، وقلنا نحن : إنما أوجب الكفارة عليه ; لأن الشرع سلم له نفسه شكرا لله حين أسقط عنه القود بعذر الخطأ مع تحقق إتلاف النفس منه فعليه إقامة نفس مقام نفسه شكرا لله ، وذلك في أن تحرر نفس منه ; لتشتغل بعبادة الله ، وإن عجز عن ذلك فعليه صوم شهرين متتابعين شكرا لله حيث سلم له نفسه ، وبهذا لا نوجب الكفارة على العامد ; لأن الشرع أوجب عليه القصاص ونوجبها في شبه العمد ; لأن الشرع سلم له نفسه تخفيفا عليه . 
وترجيح أحد المعنيين على الآخر يبين في مسألة كفارة العمد إذا انتهينا إليها إن شاء الله تعالى وليس في هذه الكفارة إطعام عندنا ، وفي أحد قولي  الشافعي  إذا عجز عن الصوم يطعم ستين مسكينا بالقياس على كفارة  [ ص: 68 ] الظهار ، وهو بناء على أصله أن قياس المنصوص على المنصوص يجوز فإن المطلق والمقيد في حادثين يحمل أحدهما على الآخر ، وذلك غير جائز عندنا ، وموضع بيانه أصول الفقه . 
فأما ما أجري مجرى الخطأ على ما ذكره  الرازي  فهو النائم إذا انقلب على إنسان فقتله  ، وهذا ليس بعمد ، ولا خطأ ; لأنه لا تصور للقصد من النائم حتى يتصور منه ترك القصد أو ترك التحرز ، ولكن الانقلاب الموجب لتلف ما انقلب عليه يتحقق من النائم فيجري هذا مجرى الخطأ حتى تجب الدية على عاقلته ، والكفارة ويثبت به حرمان الميراث ; ليوهم أن يكون متهاونا ، ولم يكن نائما قصدا منه إلى استعجال الميراث ، وأظهر من نفسه القصد إلى محل آخر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					