( وأتقن ) أحكم كل ( مختصر ) من المختصرات ففيه تفضيل مسوغ للابتداء بالنكرة وهذا مبني على مذهب سيبويه أنه يستثنى من قاعدة إذا اجتمعت معرفة ونكرة تعيين كون المعرفة المبتدأ عند الجمهور ، وقال سيبويه محلها في نكرة غير اسم استفهام نحو كم مالك وغير أفعل التفضيل نحو خير منك زيد ففي هذين يتعين عنده أن المبتدأ النكرة وقال ابن هشام يجوز كل من الوجهين لتعارض دليلي الجمهور وسيبويه .
وذكر السيد في شرح المفتاح أن كون النكرة المبتدأ أي في غير صورتي سيبويه كثير في كلام الفصحاء ولا يرد على الجمهور ؛ لأنه من باب القلب المجوز للحكم على كل منهما بما للآخر وعليه فهو لا يخالف قول ابن هشام إلا من حيث المسوغ فهو عند ابن هشام تعارض الدليلين وعلى ما ذكره السيد اعتبار القلب فإن قلت خص الرضي ومن تبعه كون أفعل المبتدأ عند سيبويه بما إذا وقع جزءا لجملة وقعت صفة لنكرة كمررت برجل أفضل منه أبوه قلت هذا استرواح توهموه من هذا المثال وغفلوا عن كون سيبويه مثل بخير منك زيد كما رأيته في كتابه وهذا يبطل ما اشترطوه ولما كان المحققون كابن هشام وغيره مستحضرين لكلامه مثلوا بمثاله هذا وأعرضوا عن ذلك الاشتراط الذي زعمه هؤلاء ، وقد سمعنا من محققي مشايخنا أن نقل هؤلاء مقدم على نقل العجم لاسترواحهم فيه كثيرا وتعويلهم على التقييد بالمعقول أكثر من المنقول فإن قلت المناسب للسياق المقصود منه مدح المحرر وصلة لمدح كتابه كون المحرر هو المحكوم عليه بالأتقنية فلم عكسته .
قلت ؛ لأن تخريجه على أنه من أسلوب الحكيم الأبلغ اقتضى ذلك والتقدير إذا أكثروا من المختصرات فلا حاجة للمحرر ولا لكتابك فأجاب بأنها مع كثرتها متفاوتة في الأتقنية وأتقنها هو المحرر فاحتيج إليه لهذه الأتقنية المحصورة فيه دون غيره وحينئذ تعين ذلك الإعراب لهذا الغرض العارض ؛ لأن غرض الأبلغية يحوج لذلك كما يعرف من أساليب البلغاء ( المحرر ) المهذب المنقى [ ص: 35 ] ولا مانع من كون الوصف في الأصل يجعل علم جنس أو شخص أو بالغلبة ، وقد يجتمعان بأن يسمى به أشياء ثم يغلب على بعضها وتسميته مختصرا لقلة لفظه لا لكونه ملخصا من كتاب بعينه
( تنبيه ) .
التحقيق أن أسماء الكتب من حيز علم الجنس لا اسمه وإن صح اعتباره ولا علم الشخص خلافا لمن زعمه وإن ألف فيه بما يحتاج رده إلى بسط ليس هذا محله ، وأن أسماء العلوم من حيز علم الشخص ( للإمام ) هو من يقتدى به في الدين ( أبي القاسم ) إمام الدين عبد الكريم قيل وهذه التكنية لا توافق ما صححه من حرمتها مطلقا بل ما اختاره من تخصيص المنع بزمنه صلى الله عليه وسلم أو ما صححه الرافعي من حرمتها فيمن اسمه محمد فقط ا هـ ويرد بأن من الواضح أن محل الخلاف إنما هو وضعها أولا ، وأما إذا وضعت لإنسان ( أي التكنية بأبي القاسم ) واشتهر بها فلا يحرم ذلك ؛ لأن النهي لا يشمله وللحاجة كما اغتفروا التلقيب بنحو الأعمش لذلك ثم رأيت بعضهم أشار إلى ذلك ويرد الأخيرين القاعدة المقررة في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ في { لا تكنوا بكنيتي } لا بخصوص السبب نعم صح خبر { من تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي } وهو صريح في الأخير إلا أن يجاب بأن الأول أصح فقدم لذلك .
ثم رأيت بعضهم أشار لذلك ( الرافعي ) نسبة لرافع بن خديج الصحابي رضي الله عنه كما حكي عن خط الرافعي نفسه وقول المصنف لرافعان بلدة من بلاد قزوين اعترضوه ( رحمه الله ) نظير ما مر ( ذي ) أي صاحب [ ص: 36 ] وآثرها على صاحب لاقتضائها تعظيم المضاف إليها والموصوف بها بخلافه ومن ثم قال تعالى في معرض مدح يونس { وذا النون } والنهي عن اتباعه كصاحب الحوت إذ النون لكونه جعل فاتحة سورة أفخم وأشرف من لفظ الحوت ، ويأتي في الجمعة صحة إضافتها للمعرفة بما فيه ( التحقيقات ) في العلم جمع تحقيقة وهي المرة من التحقيق وهو إثبات المسألة بدليلها أو علتها مع رد قوادحها وحقيقة الشيء وماهيته ما به الشيء هو هو كالحيوان الناطق للإنسان ، وقد يفترقان اعتبارا وكون الحيوان الناطق ماهية حقيقية جعلية خارجية هو الصواب بناء على أن الماهية بجعل الجاعل كما هو مذهب المتكلمين وعلى أنها لا بشرط شيء موجود خارجا كما هو المشهور عندهم .
[ ص: 37 ] والتدقيق إثبات الدليل بدليل آخر فإن قلت جمع السلامة للقلة باتفاق النحاة ومدلول جموع القلة العشرة فما دونها ولا مدح في ذلك . قلت أل في مثل هذا تفيد العموم إذ الأصح أن الجمع المعرف بالألف واللام أو الإضافة للعموم ما لم يتحقق عهد ولا منافاة بين هذا وما ذكر عن النحاة ، إما لأن كلامهم في جمع السلامة المنكر وكلام الأصوليين في المعرف كما قاله إمام الحرمين وتوضيحه أن مفيد العموم كأل لما دخل على الجمع فإن قلنا بما عليه أكثر العلماء من الأصوليين وغيرهم إن أفراده التي عمها وحدان فقد ذهب اعتبار الجمعية من أصلها المستلزم للنظر إلى كون آحاده عشرة فأقل ، وإن قلنا بما عليه جمع من المحققين إن أفراده جموع فلا تنافي بين استغراق كل جمع جمع وكون تلك الجموع لكل جمع منها عدد معين ، وأما لأنه لا مانع من أن يكون أصل وضع جمع السلامة للقلة وغلب استعماله في العموم لعرف أو شرع فنظر النحاة لأصل الوضع والأصوليين لغلبة الاستعمال فيه توفي سنة ثلاث أو أربع وعشرين وستمائة عن نيف وستين سنة ، وله كرامات منها أن شجرة عنب أضاءت له لفقد ما يسرجه وقت التصنيف ، وولد المصنف بعد وفاته بنحو سبع سنين بنوى من قرى دمشق ومات بها سنة ست وسبعين وستمائة عن نحو ست وأربعين سنة .
وذكر تلميذه الإمام ابن العطار أن بعض الصالحين رأى أنه قطب ، وأن الشيخ كاشفه بذلك واستكتمه وكشف لبعض الصالحين عنه بعد موته أنه وقع له حظ وافر من تجلي الله عليه برضاه وعطفه فسأل الله عود بعضه على كتبه فعاد فعم النفع بها شرقا وغربا للشافعية وغيرهم كما هو مشاهد


