( ويستحب دينة ) بحيث توجد فيها صفة العدالة لا العفة عن الزنا فقط للخبر المتفق عليه { فاظفر بذات الدين تربت يداك } أي استغنيت إن فعلت أو افتقرت إن لم تفعل وتردد في مسلمة تاركة للصلاة وكتابية فقيل هذه أولى للإجماع على صحة نكاحها ولبطلان نكاح تلك لردتها عند قوم وقيل تلك ؛ لأن شرط نكاح هذه مختلف فيه ورجح بعضهم الأولى ، وهو واضح في الإسرائيلية ؛ لأن الخلاف القوي إنما هو في غيرها ولو قيل الأول لقوي الإيمان والعلم هذه لا منه من فتنتها وقرب سياسته لها إلى أن تسلم ولغيره تلك لئلا تفتنه هذه لكان أوجه ( بكر ) للأمر به مع تعليله بأنهن أعذب أفواها أي ألين كلاما ، أو هو على ظاهره من أطيبيته وحلاوته ، وأنتق أرحاما أي أكثر أولادا ، أو أسخن إقبالا وأرضى باليسير من العمل أي الجماع وأغر غرة بالكسر أي أبعد من معرفة الشر والتفطن له وبالضم أي غرة البياض ، أو حسن الخلق وإرادتهما معا أجود نعم للثيب أولى لعاجز عن الافتضاض ولمن عنده عيال يحتاج لكاملة تقوم عليهن كما استصوبه صلى الله عليه وسلم من جابر لهذا .
وفي الإحياء يسن أن لا يزوج [ ص: 189 ] بنته البكر إلا من بكر لم يتزوج قط ؛ لأن النفوس جبلت على الإيناس بأول مألوف ولا ينافيه ما تقرر من ندب البكر ولو للثيب ؛ لأن ذاك فيما يسن للزوج وهذا فيما يسن للولي ( نسيبة ) أي معروفة الأصل طيبته لنسبتها إلى العلماء والصلحاء وتكره بنت الزنا والفاسق وألحق بها لقيطة ومن لا يعرف أبوها لخبر { تخيروا لنطفكم ولا تضعوها في غير الأكفاء } صححه الحاكم واعترض ( ليست قرابة قريبة ) لخبر فيه النهي عنه وتعليله بأن الولد يجيء نحيفا لكن لا أصل له ومن ثم نازع جمع في هذا الحكم بأنه لا أصل له وبإنكاحه صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه ويرد بأن نحافة الولد الناشئة غالبا عن الاستحياء من القرابة القريبة معنى ظاهر يصلح أصلا لذلك وعلي كرم الله وجهه قريب بعيد إذ المراد بالقريبة من هي في أول درجات الخؤولة والعمومة وفاطمة رضي الله عنها بنت ابن عم فهي بعيدة ونكاحها أولى من الأجنبية لانتفاء ذلك المعنى مع حنو الرحم
وتزوجه صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش مع كونها بنت عمته لمصلحة حل نكاح زوجة المتبنى وتزويجه زينب بنته لأبي العاص مع كونه ابن خالتها بتقدير وقوعه بعد النبوة واقعة حال فعلية فاحتمال كونه لمصلحة يسقطها وكل مما ذكر مستقل بالندب خلافا لما يوهمه ظاهر العبارة ويسن أيضا كونها ودودا ولودا ويعرف في البكر بأقاربها ووافرة العقل وحسنة الخلق وكذا بالغة وفاقدة ولد من غيره إلا لمصلحة وحسناء أي بحسب طبعه كما هو ظاهر ؛ لأن القصد العفة ، وهي لا تحصل إلا بذلك وبهذا يرد قول بعضهم المراد بالجمال هنا الوصف القائم بالذات المستحسن عند ذوي الطباع السليمة نعم تكره ذات الجمال البارع ؛ لأنها تزهو به وتتطلع إليها أعين الفجرة ومن ثم قال أحمد ما سلمت أي من فتنة ، أو تطلع فاجر إليها ، أو تقوله عليها ذات جمال أي بارع قط وخفيفة المهر ، وأن لا تكون شقراء قيل الشقرة بياض [ ص: 190 ] ناصع يخالفه فقط في الوجه لونها غير لونه ا هـ وكأنه أخذ ذلك من العرف ؛ لأن كلام أهل اللغة مشكل فيه إذ الذي في القاموس الأشقر من الناس من يعلو بياضه حمرة ا هـ .
ويتعين تأويله بما يشير إليه قوله يعلوه بأن المراد أن الحمرة غلبت البياض وقهرته بحيث تصير كلهب النار الموقدة إذ هذا هو المذموم بخلاف مجرد تشرب البياض بالحمرة فإنه أفضل الألوان في الدنيا ؛ لأنه لونه صلى الله عليه وسلم الأصلي كما بينته في شرح الشمائل ولا ذات مطلق لها إليه رغبة ، أو عكسه ولا من في حلها له خلاف كأن زنى ، أو تمتع بأمها أو بها فرعه ، أو أصله أو شك بنحو رضاع وفي حديث عند الديلمي والخطابي النهي عن نكاح الشهبرة الزرقاء البذية واللهبرة الطويلة المهزولة والنهبرة القصيرة الذميمة ، أو العجوز المدبرة والهندرة العجوز المدبرة أو المكثرة للهذر أي الكلام في غير محله ، أو القصيرة الذميمة ولو تعارضت تلك الصفات فالذي يظهر أنه يقدم الدين مطلقا ثم العقل وحسن الخلق ثم الولادة ثم أشرفية النسب ثم البكارة ثم الجمال ثم ما المصلحة فيه أظهر بحسب اجتهاده ( تنبيه )
كما يسن له تحري هذه الصفات فيها كذلك يسن لها ولوليها تحريها فيه كما هو واضح


