ولقد نصركم الله ببدر   بيان لما يترتب على الصبر والتقوى إثر بيان ما ترتب على عدمهما ، أو مساقة لإيجاب التوكل على الله تعالى بتذكير ما يوجبه ، وبدر كما قال الشعبي بئر لرجل من جهينة يقال له بدر فسميت به ، وقال  الواقدي   : اسم للموضع ، وقيل : للوادي وكانت كما قال  عكرمة   : متجرا في الجاهلية . 
وقال  قتادة   : إن بدرا  ماء بين مكة  والمدينة  التقى عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمشركون ، وكان أول قتال قاتله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكان ذلك في السابع عشر من شهر رمضان يوم الجمعة سنة اثنتين من الهجرة ، والباء بمعنى في ؛ أي نصركم الله في بدر  ، وأنتم أذلة  حال من مفعول ( نصركم ) و ( أذلة ) جمع قلة لذليل ، واختير على ذلائل ليدل على قلتهم مع ذلتهم ، والمراد بها عدم العدة لا الذل المعروف ، فلا يشكل  [ ص: 44 ] دخول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في هذا الخطاب إن قلنا به ، وقيل : لا مانع من أن يراد المعنى المعروف ، ويكون المراد وأنتم أذلة  في أعين غيركم وإن كنتم أعزة في أنفسكم ، وقد تقدم الكلام على عددهم وعدد المشركين إذ ذاك فاتقوا الله  باجتناب معاصيه والصبر على طاعته ، ولم يصرح بالأمر بالصبر اكتفاء بما سبق وما لحق مع الإشعار - على ما قيل - بشرف التقوى وأصالتها وكون الصبر من مباديها اللازمة لها ، وفي ترتيب الأمر بها على الإخبار بالنصر إعلام بأن نصرهم المذكور كان بسبب تقواهم ، فمعنى قوله تعالى : لعلكم تشكرون   ( 321 ) لعلكم تقومون بشكر ما أنعم به عليكم من النصر القريب بسبب تقواكم إياه ، ويحتمل أن يكون كناية أو مجازا عن نيل نعمة أخرى توجب الشكر كأنه قيل : فاتقوا الله لعلكم تنالون نعمة من الله تعالى فتشكرونه عليها ، فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له ومستعد إياه . 
				
						
						
