ودوا لو تدهن فيدهنون فيه ستة تأويلات : أحدها : معناه ودوا لو تكفر فيكفرون ، قاله السدي والضحاك .
الثاني : ودوا لو تضعف فيضعفون ، قاله أبو جعفر .
الثالث : لو تلين فيلينون ، قاله الفراء .
الرابع : لو تكذب فيكذبون ، قاله الربيع بن أنس .
الخامس : لو ترخص لهم فيرخصون لك ، قاله ابن عباس .
السادس : أن تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك ، قاله قتادة . وفي أصل المداهنة وجهان :
[ ص: 63 ]
أحدهما : مجاملة العدو وممايلته ، قال الشاعر
لبعض الغشم أحزم أمور تنوبك من مداهنة العدو .
الثاني : أنها النفاق وترك المناصحة ، قاله المفضل ، فهي على هذا الوجه مذمومة ، وعلى الوجه الأول غير مذمومة . ولا تطع كل حلاف مهين فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه الكذاب ، قاله ابن عباس .
الثاني : الضعيف القلب ، قاله مجاهد .
الثالث : أنه المكثار من الشر ، قاله قتادة .
الرابع : أنه الذليل بالباطل ، قاله ابن شجرة . ويحتمل خامسا : أنه الذي يهون عليه الحنث . وفي من نزل ذلك فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أنها نزلت في الأخنس بن شريق ، قاله السدي .
الثاني : الأسود بن عبد يغوث ، قاله مجاهد .
الثالث : الوليد بن المغيرة ، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم مالا وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه ، قاله مقاتل . هماز مشاء بنميم فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الفتان الطعان ، قاله ابن عباس وقتادة .
الثاني : أنه الذي يلوي شدقيه من وراء الناس ، قاله الحسن .
الثالث : أنه الذي يهمزهم بيده ويضربهم دون لسانه ، قاله ابن زيد ، والأول أشبه لقول الشاعر
تدلي بود إذا لاقيتني كذبا وإن أغيب فأنت الهامز اللمزة .
مشاء بنميم فيه وجهان :
أحدهما : الذي ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض ، قاله قتادة .
[ ص: 64 ]
الثاني : هو الذي يسعى بالكذب ، ومنه قول الشاعر
ومولى كبيت النمل لا خير عنده لمولاه إلا سعية بنميم .
وفي النميم والنميمة وجهان :
أحدهما : أنهما لغتان ، قاله الفراء .
الثاني : أن النميم جمع نميمة . مناع للخير فيه وجهان :
أحدهما : للحقوق من ظلم .
الثاني : الإسلام يمنع الناس منه . عتل بعد ذلك زنيم يعني بعد كونه مناع للخير معتد أثيم ، هو عتل زنيم ، وفيه تسعة أوجه :
أحدها : أن العتل الفاحش ، وهو مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم : الثاني : أنه القوي في كفره ، قاله عكرمة .
الثالث : أنه الوفير الجسم ، قاله الحسن وأبو رزين .
الرابع : أنه الجافي الشديد الخصومة بالباطل ، قاله الكلبي .
الخامس : أنه الشديد الأسر ، قاله مجاهد .
السادس : أنه الباغي ، قاله ابن عباس .
السابع : أنه الذي يعتل الناس ، أي يجرهم إلى الحبس أو العذاب ، مأخوذ من العتل وهو الجر ، ومنه قوله تعالى : خذوه فاعتلوه [الحاقة : 30] .
الثامن : هو الفاحش اللئيم ، قاله معمر ، قال الشاعر
يعتل من الرجال زنيم غير ذي نجدة وغير كريم .
التاسع : ما رواه شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم ، ورواه ابن [ ص: 65 ] مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم فقال رجل : ما الجواظ وما الجعظري وما العتل الزنيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواظ الذي جمع ومنع ، والجعظري الغليظ ، والعتل الزنيم الشديد الخلق الرحيب الجوف ، المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام ، الظلوم للناس) . وأما الزنيم ففيه ثمانية تأويلات : أحدها : أنه اللين ، رواه موسى بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الثاني : أنه الظلوم ، قاله ابن عباس في رواية ابن طلحة عنه .
الثالث : أنه الفاحش ، قاله إبراهيم .
الرابع : أنه الذي له زنمة كزنمة الشاة ، قال الضحاك : لأن الوليد بن المغيرة كان له أسفل من أذنه زنمة مثل زنمة الشاة ، وفيه نزلت هذه الآية ، قال محمد بن إسحاق : نزلت في الأخنس بن شريق لأنه حليف ملحق ولذلك سمي زنيما .
الخامس : أنه ولد الزنى ، قاله عكرمة .
السادس : أنه الدعي ، قال الشاعر
زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع
السابع : أنه الذي يعرف بالأبنة ، وهو مروي عن ابن عباس أيضا .
الثامن : أنه علامة الكفر كما قال تعالى : سنسمه على الخرطوم ، قاله أبو رزين . أن كان ذا مال وبنين قيل إنه الوليد بن المغيرة ، كانت له حديقة بالطائف ، وكان له اثنا عشر ابنا ، حكاه الضحاك .
[ ص: 66 ]
وقال علي بن أبي طالب : المال والبنون حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة . إذا تتلى عليه آياتنا يعني القرآن . قال أساطير الأولين يعني أحاديث الأولين وأباطيلهم . سنسمه على الخرطوم فيه أربعة أقاويل : أحدها : أنها سمة سوداء تكون على أنفه يوم القيامة يتميز بها الكافر ، كما قال تعالى : يعرف المجرمون بسيماهم [الرحمن : 41] .
الثاني : أنه يضرب في النار على أنفه يوم القيامة ، قاله الكلبي .
الثالث : أنه إشهار ذكره بالقبائح ، فيصير موسوما بالذكر لا بالأثر .
الرابع : هو ما يبتليه الله به في الدنيا في نفسه وماله وولده من سوء وذل وصغار ، قاله ابن بحر ، واستشهد بقول الأعشى :
فدعها وما يغنيك واعمد لغيرها بشعرك واغلب أنف من أنت واسم .
وقال المبرد : الخرطوم هو من الناس الأنف ، ومن البهائم الشفة .


