[ ص: 429 ] سورة النمل 
مكية ، وهي ثلاث وتسعون آية ، وقيل أربع وتسعون 
[نزلت بعد الشعراء ] 
بسم الله الرحمن الرحيم 
طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين   هدى وبشرى للمؤمنين   الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون   
 "طس"  قرئ بالتفخيم والإمالة ، و  "تلك"  إشارة إلى آيات السورة والكتاب المبين : إما اللوح ، وإبانته : أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه إبانة . وإما السورة . وإما القرآن ، وإبانتهما : أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع ، وأن إعجازهما ظاهر مكشوف ، وإضافة الآيات إلى القرآن والكتاب المبين : على سبيل التفخيم لها والتعظيم ؛ لأن المضاف إلى العظيم يعظم بالإضافة إليه . فإن قلت : لم نكر الكتاب المبين ؟ قلت : ليبهم بالتنكير فيكون أفخم له ، كقوله تعالى : في مقعد صدق عند مليك مقتدر   [القمر : 55 ] . فإن قلت : ما وجه عطفه على القرآن إذا أريد به القرآن ؟ قلت : كما يعطف إحدى الصفتين على الأخرى في نحو قولك : هذا فعل السخي والجواد الكريم ، لأن القرآن هو المنزل المبارك المصدق لما بين يديه ، فكان حكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح ، فكأنه قيل : تلك الآيات آيات المنزل المبارك آي كتاب مبين . وقرأ  ابن أبي عبلة   : "وكتاب مبين" بالرفع على تقدير : وآيات كتاب مبين ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . فإن قلت : ما الفرق بين هذا وبين قوله : الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين  ؟ قلت : لا فرق بينهما إلا ما بين المعطوف والمعطوف عليه من التقدم والتأخر ، وذلك على ضربين : ضرب جار مجرى التثنية لا يترجح فيه جانب على جانب وضرب فيه ترجح ، فالأول نحو قوله تعالى : وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا  ومنه ما نحن بصدده . والثاني : نحو قوله تعالى : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم  ، هدى وبشرى  في محل النصب أو الرفع ، فالنصب على الحال ، أي : هادية ومبشرة ؛ والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة ، والرفع على ثلاثة أوجه ، على : هي هدى  [ ص: 430 ] وبشرى ، وعلى البدل من الآيات ، وعلى أن يكون خبرا بعد خبر ، أي : جمعت أنها آيات ، وأنها هدى وبشرى . والمعنى في كونها هدى للمؤمنين : أنها زائدة في هداهم . قال الله تعالى : وإذا ما أنزلت سورة فمنهم   . فإن قلت : وهم بالآخرة هم يوقنون  كيف يتصل بما قبله ؟ قلت : يحتمل أن يكون من جملة صلة الموصول ، ويحتمل أن تتم الصلة عنده ويكون جملة اعتراضية ، كأنه قيل : وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة : هم الموقنون بالآخرة ، وهو الوجه . ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية وكرر فيها المبتدأ الذي هو " هم" حتى صار معناها : وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح ، لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					