يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون   
معنى الخون : النقص ، كما أن معنى الوفاء التمام ، ومنه : تخونه ، إذا تنقصه ، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء ; لأنك إذا خنت الرجل في شيء ، فقد أدخلت عليه النقصان فيه ، وقد استعير فقيل : خان الدلو الكرب ، وخان المشتار السبب ; لأنه إذا انقطع به فكأنه لم يف له ، ومنه قوله تعالى : وتخونوا أماناتكم  ، والمعنى : لا تخونوا الله بأن تعطلوا فرائضه ، ورسوله بأن لا تستنوا به ، و أماناتكم   ; فيما بينكم بأن لا تحفظوها وأنتم تعلمون "   : تبعة ذلك ووباله ، وقيل : وأنتم تعلمون أنكم تخونون ، يعني : أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو ، وقيل : وأنتم علماء تعلمون قبح القبيح وحسن الحسن ، وروي أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حاصر يهود بني قريظة  إحدى وعشرين ليلة ، فسألوا  [ ص: 574 ] الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير  على أن يسيروا إلى أذرعات  وأريحاء  من أرض الشام  ، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن ينزلوا على حكم  سعد بن معاذ ،  فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة مروان بن عبد المنذر  وكان مناصحا لهم ; لأن عياله وماله في أيديهم ، فبعثه إليهم فقالوا له : ما ترى ، هل ننزل على حكم  سعد ؟  فأشار إلى حلقه إنه الذبح ، قال أبو لبابة  فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله ; فنزلت ، فشد نفسه على سارية من سواري المسجد ، وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي ، فمكث سبعة أيام حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه ، فقيل له : قد تيب عليك فحل نفسك ، فقال : لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يحلني ، فجاءه فحله بيده فقال : إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي ، فقال : - صلى الله عليه وسلم - يجزيك الثلث أن تتصدق به ، وعن المغيرة :  نزلت في قتل  عثمان بن عفان   - رضي الله عنه - وقيل : "أماناتكم" ; ما ائتمنكم الله عليه من فرائضه وحدوده . 
فإن قلت : "وتخونوا" : جزم هو أم نصب؟ 
قلت : يحتمل أن يكون جزما داخلا في حكم النهي ، وأن يكون نصبا بإضمار "أن" كقوله : وتكتموا الحق   [البقرة : 42] ، وقرأ  مجاهد :   "وتخونوا أمانتكم" ، على التوحيد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					