كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون   
كما أخرجك ربك من بيتك بالحق  خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذه الحال في كراهتهم إياها كحال إخراجك للحرب في كراهتهم له ، وهي كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة . أو صفة مصدر الفعل المقدر في قوله : لله والرسول  أي الأنفال ثبتت لله والرسول صلى الله عليه وسلم مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراجك ربك من بيتك ، يعني المدينة  لأنها مهاجره ومسكنه أو بيته فيها مع كراهتهم . وإن فريقا من المؤمنين لكارهون  في موقع الحال أي أخرجك في حال كراهتهم ، وذلك أن عير قريش  أقبلت من الشأم  وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا منهم  أبو سفيان   وعمرو بن العاص   ومخرمة بن نوفل  وعمرو بن هشام  ، فأخبر جبريل  عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال ، فلما خرجوا بلغ الخبر أهل مكة  ، فنادى أبو جهل  فوق الكعبة  يا أهل مكة  النجاء النجاء على كل صعب وذلول ، عيركم أموالكم إن أصابها محمد  لن تفلحوا بعدها أبدا ، وقد رأت قبل ذلك بثلاث  عاتكة بنت عبد المطلب  أن ملكا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها فلم يبق بيت في مكة  إلا أصابه شيء منها ، فحدثت بها  العباس  وبلغ ذلك أبا جهل  فقال : ما ترضى رجالهم أن يتنبؤوا حتى تتنبأ نساؤهم ، فخرج أبو جهل  بجميع أهل مكة  ومضى بهم إلى بدر  وهو ماء كانت العرب تجتمع عليه لسوقهم يوما في السنة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي ذفران  فنزل عليه جبريل  عليه السلام بالوعد بإحدى الطائفتين إما العير وإما قريش  ، فاستشار فيه أصحابه فقال بعضهم : هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له إنما خرجنا للعير ، فردد عليهم وقال : إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل  قد أقبل ، فقالوا : يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام  أبو بكر  وعمر  رضي الله تعالى عنهما وقالا فأحسنا ، ثم قام  سعد بن عبادة  فقال : انظر أمرك فامض فيه فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار  ، ثم قال مقداد بن عمرو   : امض لما أمرك الله فأنا معك حيثما أحببت ، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى   (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : « أشيروا علي أيها الناس » وهو يريد الأنصار  لأنهم كانوا عددهم وقد شرطوا حين بايعوه بالعقبة أنهم برآء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم ، فتخوف أن لا يروا نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة  ، فقام  سعد بن معاذ  فقال لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال : أجل ، قال : قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا ، وإنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله تعالى ، فنشطه قوله ثم قال : « سيروا على بركة الله تعالى وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم »  . 
وقيل إنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من بدر  قيل له : عليك بالعير فناداه  العباس  وهو في وثاقه لا يصلح فقال له « لم » فقال : لأن الله وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك ، فكره بعضهم قوله . 
 [ ص: 51 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					