إن الله - سبحانه - يذكر عيسى بن مريم  في مواجهة قومه يوم الحشر وعلى مشهد من العالمين بفضله عليه : 
إذ قال الحواريون: يا عيسى ابن مريم، هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟   . . 
لقد كان الحواريون - وهم تلاميذ المسيح  وأقرب أصحابه إليه وأعرفهم به - يعرفون أنه بشر . . ابن مريم   . . وينادونه بما يعرفونه عنه حق المعرفة . وكانوا يعرفون أنه ليس ربا وإنما هو عبد مربوب لله . وأنه ليس ابن الله ، إنما هو ابن مريم  ومن عبيد الله ; وكانوا يعرفون كذلك أن ربه هو الذي يصنع تلك المعجزات الخوارق على يديه ، وليس هو الذي يصنعها من عند نفسه بقدرته الخاصة . . لذلك حين طلبوا إليه ، أن تنزل عليهم مائدة من السماء ، لم يطلبوها منه ، فهم يعرفون أنه بذاته لا يقدر على هذه الخارقة . وإنما سألوه : 
يا عيسى ابن مريم، هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟   . . 
واختلفت التأويلات في قولهم : هل يستطيع ربك   . . كيف سألوا بهذه الصيغة بعد إيمانهم بالله وإشهاد عيسى   - عليه السلام - على إسلامهم له . وقيل : إن معنى يستطيع ليس (يقدر ) ولكن المقصود هو لازم الاستطاعة وهو أن ينزلها عليهم . وقيل : إن معناها : هل يستجيب لك إذا طلبت . وقرئت : هل يستطيع ربك   . بمعنى هل تملك أنت أن تدعو ربك لينزل علينا مائدة من السماء . . 
وعلى أية حال فقد رد عليهم عيسى   - عليه السلام - محذرا إياهم من طلب هذه الخارقة . . لأن المؤمنين لا يطلبون الخوارق ، ولا يقترحون على الله . 
قال: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين   . .  [ ص: 1000 ] ولكن الحواريين كرروا الطلب ، معلنين عن علته وأسبابه وما يرجون من ورائه : 
قالوا: نريد أن نأكل منها، وتطمئن قلوبنا، ونعلم أن قد صدقتنا، ونكون عليها من الشاهدين   . 
فهم يريدون أن يأكلوا من هذا الطعام الفريد الذي لا نظير له عند أهل الأرض . وتطمئن قلوبهم برؤية هذه الخارقة وهي تتحقق أمام أعينهم ; ويستيقنوا أن عيسى  عليه السلام قد صدقهم ، ثم يكونوا شهودا لدى بقية قومهم على وقوع هذه المعجزة . 
وكلها أسباب كما قلنا تصور مستوى معينا دون مستوى أصحاب محمد   - صلى الله عليه وسلم - فهؤلاء طراز آخر بالموازنة مع هذا الطراز ! 
عندئذ اتجه عيسى   - عليه السلام - إلى ربه يدعوه : 
قال عيسى ابن مريم: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا، وآية منك، وارزقنا وأنت خير الرازقين   . . 
وفي دعاء عيسى - بن مريم   - كما يكرر السياق القرآني هذه النسبة أدب العبد المجتبى مع إلهه ومعرفته بربه   . فهو يناديه : يا الله . يا ربنا . إنني أدعوك أن تنزل علينا مائدة من السماء ، تعمنا بالخير والفرحة كالعيد ، فتكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ; وأن هذا من رزقك فارزقنا وأنت خير الرازقين . . فهو إذن يعرف أنه عبد ; وأن الله ربه . وهذا الاعتراف يعرض على مشهد من العالمين ، في مواجهة قومه ، يوم المشهد العظيم ! 
واستجاب الله دعاء عبده الصالح عيسى بن مريم   ; ولكن بالجد اللائق بجلاله سبحانه . . لقد طلبوا خارقة . واستجاب الله . على أن يعذب من يكفر منهم بعد هذه الخارقة عذابا شديدا بالغا في شدته لا يعذبه أحدا من العالمين : 
قال الله: إني منزلها عليكم، فمن يكفر بعد منكم، فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين   . . 
فهذا هو الجد اللائق بجلال الله ; حتى لا يصبح طلب الخوارق تسلية ولهوا . وحتى لا يمضي الذين يكفرون بعد البرهان المفحم دون جزاء رادع ! وقد مضت سنة الله من قبل بهلاك من يكذبون بالرسل بعد المعجزة . . فأما هنا فإن النص يحتمل أن يكون هذا العذاب في الدنيا ، أو أن يكون في الآخرة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					