قوله تعالى: ما لكم لا ترجون لله وقارا؟ فيه أربعة أقوال .
أحدها: لا ترون لله عظمة، قاله الفراء، وابن قتيبة .
والثاني: لا تخافون عظمة الله، قاله الفراء، وابن قتيبة .
والثالث: لا ترون لله طاعة، قاله ابن زيد .
والرابع: لا ترجون عاقبة الإيمان والتوحيد، قاله الزجاج .
[ ص: 371 ] "وقد خلقكم أطوارا" أي: وقد جعل لكم في أنفسكم آية تدل على توحيده من خلقه إياكم من نطفة، ثم من علقة شيئا بعد شيء إلى آخر الخلق . قال ابن الأنباري: الطور: الحال، وجمعه: أطوار . وقال ابن فارس: الطور: التارة، طورا بعد طور، أي: تارة بعد تارة . وقيل: أراد بالأطوار: اختلاف المناظر والأخلاق، من طويل، وقصير، وغير ذلك، ثم قررهم، فقال تعالى: ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة "طباق" بتنوين القاف، وكسرها من غير ألف . وقد بينا هذا في سورة [الملك: 3] .
قوله تعالى: وجعل القمر فيهن نورا فيه قولان .
أحدهما: أن وجه القمر قبل السموات، وظهره قبل الأرض يضيء لأهل السموات، كما يضيء لأهل الأرض، وكذلك الشمس، هذا قول عبد الله بن عمرو .
والثاني: أن القمر في السماء الدنيا . وإنما قال: "فيهن" لأنهن كالشيء الواحد، ذكره الأخفش والزجاج، وغيرهما . وهذا كما تقول: أتيت بني تميم، وإنما أتيت بعضهم، وركبت السفن، "وجعل الشمس سراجا" يستضيء بها العالم "والله أنبتكم من الأرض" يعني: أن مبتدأ خلقكم من الأرض، هو [ ص: 372 ] آدم "نباتا" قال الخليل: معناه: فنبتم نباتا . وقال الزجاج: "نباتا" محمول في المصدر على المعنى، لأن معنى أنبتكم: جعلكم تنبتون نباتا . قال ابن قتيبة: هذا مما جاء فيه المصدر، على غير المصدر لأنه جاء في نبت . ومثله: وتبتل إليه تبتيلا [المزمل: 8] فجاء على "بتل"
قال الشاعر:
وخير الأمر ما استقبلت من ه وليس بأن تتبعه اتباعا
فجاء على اتبعت .
وقال الآخر:
وإن شئتم تعاودنا عوادا
فجاء على "عاودنا" وإنما تجيء المصادر مخالفة الأفعال، لأن الأفعال وإن اختلفت أبنيتها، واحدة في المعنى .
قوله تعالى سبلا فجاجا قال الفراء: هي الطرق الواسعة .
قوله تعالى: واتبعوا من لم يزده ماله وولده قرأ أهل المدينة، وابن عامر، وعاصم، "وولده" بفتح اللام والواو . وقرأ الباقون "ولده" بضم الواو، [ ص: 373 ] وسكون اللام . قال الزجاج: وهما بمعنى واحد، مثل العرب، والعرب، والعجم، والعجم . وقرأ الحسن، وأبو العالية، وابن يعمر، والجحدري: "وولده" بكسر الواو، وإسكان اللام . قال المفسرون: المعنى: أن الأتباع، والفقراء اتبعوا رأي الرؤساء والكبراء .
قوله تعالى: ومكروا مكرا كبارا قرأ أبو رجاء، وأبو عمران: "كبارا" برفع الكاف وتخفيف الباء . وقرأ ابن يعمر، وأبو الجوزاء، وابن محيصن "كبارا" بكسر الكاف مع تخفيف الباء . والمعنى "كبيرا" يقال: كبير، وكبار . وقد شرحنا هذا في أول [ص] ومعنى "المكر": السعي في الفساد . وذلك أن الرؤساء منعوا أتباعهم من الإيمان بنوح "وقالوا لا تذرن آلهتكم" أي: لا تدعن عبادتها "ولا تذرن ودا" قرأ أبو جعفر ، ونافع بضم الواو . والباقون بفتحها . وهذا الاسم وما بعده أسماء آلهتهم . وجاء في التفسير أن هذه أسماء قوم صالحين، كانوا بين آدم ونوح، ونشأ قوم بعدهم يأخذون بأخذهم في العبادة، فقال لهم إبليس: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم، وأشوق للعبادة، ففعلوا . ثم نشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم، فعبدوهم، وكان ابتداء عبادة الأوثان من ذلك الوقت . وسميت تلك الصور بهذه الأسماء، لأنهم صوروها على صور أولئك القوم المسمين بهذه الأسماء . وقيل: إنما هي أسماء لأولاد آدم، مات منهم واحد، فجاء الشيطان فقال: هل لكم أن أصور لكم صورته، فتذكرونه بها؟ فصورها . ثم مات آخر، فصور لهم صورته، إلى أن صور صورا خمسة . ثم طال الزمان، وتركوا عبادة الله، فقال لهم الشيطان: ما لكم لا تعبدون شيئا؟ فقالوا: لمن نعبد؟ قال: هذه آلهتكم، وآلهة آبائكم، ألا ترونها مصورة في مصلاكم؟! فعبدوها .
[ ص: 374 ] وقال الزجاج: هذه الأصنام كانت لقوم نوح، ثم صارت إلى العرب، فكان "ود" لكلب، "وسواع" لهمدان، و"يغوث" لبني غطيف، وهم حي من مراد . وقيل: لما جاء الطوفان غطى على هذه الأصنام وطمها التراب، فلما ظهرت بعد الطوفان صارت إلى هؤلاء المذكورين، قال الواقدي: كان "ود" على صورة رجل، و"سواع" على صورة امرأة، و"يغوث" على صورة أسد، و"يعوق" على صورة فرس، و"نسر" على صورة النسر من الطير .
قوله تعالى: وقد أضلوا كثيرا فيه قولان .
أحدهما: وقد أضلت الأصنام كثيرا من الناس، أي: ضلوا بسببها .
والثاني: وقد أضل الكبراء كثيرا من الناس "ولا تزد الظالمين" يعني: الكافرين "إلا ضلالا" وهذا دعاء من نوح عليهم، لما أعلمه الله أنهم لا يؤمنون .


