وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين   فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين   
قوله تعالى: وقالوا مهما  قال  الزجاج   : زعم النحويون أن أصل "مهما" ماما ، ولكن أبدل من الألف الأولى الهاء ليختلف اللفظ ، ف "ما" الأولى هي "ما" الجزاء ، و"ما" الثانية هي التي تزاد تأكيدا للجزاء ، ودليل النحويين على ذلك أنه ليس شيء من حروف الجزاء إلا و"ما" تزاد فيه ، قال الله تعالى: فإما تثقفنهم   [الأنفال:57] كقولك: إن تثقفنهم ، وقال وإما تعرضن عنهم   [الإسراء: 28] . وتكون "ما" الثانية للشرط والجزاء ، والتفسير الأول هو الكلام ، وعليه استعمال الناس . قال  ابن الأنباري:  فعلى قول من قال: إن معنى "مه" الكف ، يحسن الوقف على "مه" والاختيار أن لا يوقف عليها دون "ما" لأنها في المصحف حرف واحد . وفي الطوفان ثلاثة أقوال . 
أحدها: أنه الماء . قال  ابن عباس   : أرسل عليهم مطر دائم الليل والنهار ثمانية أيام ، وإلى هذا المعنى ذهب  سعيد بن جبير ،   وقتادة ،   والضحاك ،  وأبو مالك ،   ومقاتل ،  واختاره  الفراء ،   وابن قتيبة ،   [ ص: 249 ] والثاني: أنه الموت ، روته  عائشة  رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه قال  مجاهد ،   وعطاء ،   ووهب بن منبه ،   وابن كثير .  
والثالث: أنه الطاعون ، نقل عن  مجاهد ،   ووهب  أيضا . وفي القمل سبعة أقوال . 
أحدها: أنه السوس الذي يقع في الحنطة ، رواه  سعيد بن جبير  عن  ابن عباس ،  وقال به . 
والثاني: أنه الدبى ، رواه  العوفي  عن  ابن عباس ،  وبه قال  مجاهد ،   وعطاء .  وقال  قتادة:  القمل: أولاد الجراد . وقال  ابن فارس:  الدبى: الجراد إذا تحرك قبل أن تنبت أجنحته . 
والثالث: أنه دواب سود صغار ، قاله  الحسن ،   وسعيد بن جبير .  وقيل: هذه الدواب هي السوس . 
والرابع: أنه الجعلان ، قاله  حبيب بن أبي ثابت .  
والخامس: أنه القمل ، ذكره  عطاء الخراساني ،   وزيد بن أسلم .  
والسادس: أنه البراغيث ، حكاه ابن زيد .  
والسابع: أنه الحمنان ، واحدتها: حمنانة ، وهي ضرب من القردان ، قاله  أبو عبيدة .  وقرأ  الحسن ،   وعكرمة ،   وابن يعمر:   "القمل" برفع القاف وسكون الميم .  [ ص: 250 ] وفي الدم قولان . أحدهما: أن ماءهم صار دما ، قاله الجمهور . والثاني: أنه رعاف أصابهم ، قاله  زيد بن أسلم .  
الإشارة إلى شرح القصة 
قال  ابن عباس   : جاءهم الطوفان ، فكان الرجل لا يقدر أن يخرج إلى ضيعته ، حتى خافوا الغرق ، فقالوا: يا موسى  ادع لنا ربك يكشفه عنا ، ونؤمن بك ، ونرسل معك بني إسرائيل; فدعا لهم ، فكشفه الله عنهم ، وأنبت لهم شيئا لم ينبته قبل ذلك ، فقالوا: هذا ما كنا نتمنى ، فأرسل الله عليهم الجراد فأكل ما أنبتت الأرض ، فقالوا: ادع لنا ربك فدعا ، فكشف الله عنهم ، فأحرزوا زروعهم في البيوت ، فأرسل الله عليهم القمل ، فكان الرجل يخرج بطحين عشرة أجربة إلى الرحى ، فلا يرى منها ثلاثة أقفزة ، فسألوه ، فدعا لهم ، فكشف عنهم ، فلم يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الضفادع ، ولم يكن شيء أشد منها ، كانت تجيء إلى القدور وهي تغلي وتفور ، فتلقي أنفسها فيها ، فتفسد طعامهم وتطفئ نيرانهم ، وكانت الضفادع برية ، فأورثها الله تعالى برد الماء والثرى إلى يوم القيامة ، فسألوه ، فدعا لهم ، فلم يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فجرت أنهارهم وقلبهم دما ، فلم يقدروا على الماء العذب ، وبنو إسرائيل في الماء العذب ، فإذا دخل الرجل منهم يستقي من أنهار بني إسرائيل صار ما دخل فيه دما ، والماء من بين يديه ومن خلفه صاف عذب لا يقدر عليه ، فقال فرعون:  أقسم بإلهي يا موسى  لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ، ولنرسلن معك بني إسرائيل ، فدعا موسى ،  فذهب الدم وعذب ماؤهم ، فقالوا: والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل .  [ ص: 251 ] قوله تعالى: آيات مفصلات  قال  ابن قتيبة:  بين الآية والآية فصل . قال المفسرون: كانت الآية تمكث من السبت إلى السبت ، ثم يبقون عقيب رفعها شهرا في عافية ، ثم تأتي الآية الأخرى . قال  وهب بن منبه:  بين كل آيتين أربعون يوما . وروى  عكرمة  عن  ابن عباس  قال: مكث موسى  في آل فرعون  بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات ، الجراد والقمل والضفادع والدم . 
وفي قوله: "فاستكبروا" قولان . أحدهما: عن الإيمان . والثاني: عن الانزجار . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					